هذه قصيدة كنت عملتها في هذا الغرض الخلقي ولا مر ما بدالي أن ألبسها هذا الثوب النثري فإن نالت رضى فذاك ما اعتمدت وإن كانت الأخرى فلعل من المعذرة لصاحبها أن هذا الضرب من الشعر المنثور طراز حديث لم نحسنه يعدوان أن الباكورة ربما جاءت فجة غير ناضجة.
تكاد تذوب مما تجد من لوعة، وتطوى عليه من جمر الأسى، حتى ليخيل إليّ أنها تسيل حسرة، وتتحدر حرقة، بل يخيل إلى أن هذه الدموع الحمراء التي تستنزلها الفجيعة، وتساقطها الشكوى، إنما هي ذوب تلك النفس الآسية، وقطرات تلك الكبد المتفطرة، وفي سبيل المجد والسؤدد، ما تلقين أيتها النفس:
ضلالاً لنفسي، بل رحمة لها من نفس سرية ماجدة، كيف سرت إليها خدع الأماني، وتمشّت نحوها أباطيل الأمل الخلوب الكاذب، فجعلت تمنيها الحياة الشهية، والمنزلة الشماء، أجل إن من خدع الأماني، وأباطيل الأمل، أن تسمو نفس حرة إلى مستعذب من الحياة، وشهيّ من العيش، وإن فيما تشكوه تلك النفس الحرة هماتها الكبيرة، وعزائمها الناهضة المتوثبة، هيهات منها ذلك:
ليست نفسي الطموح البعيدة الهمّ بدعا من النفوس الكريمة حين تلبس ثوب الليل مسهدة الجفن، نابية المضجع، حتى يتفرّى دجاه عن مستنير الفجر، وتشيع في نواحيه ثقوب الضوء، وينصل صبغه بلون الصباح المشهر، فكم أنفس سامية طماحة يؤرقها أسى برح، وهمة مترامية، فتبيت ترعى النجوم، وتناجي ساهرة الكواكب، كأنما تتلمس منزلها المسلوب بين تلك النظائر، وتسمو بنفسها إلى مكانتها بين تلك الأخوات من الكواكب:
ليل يصادفني ومرهفة الحشد ... ضدين أسهره لها وتنامه
واكبدي للمجد، وحر قلبي على كل فتي نبيل سباق إلى الحمد، سريع إلى الكرامة، يحتوي المجد من أطرافه، وينزل في بحبوحة الشرف الصميم أين - لا أين - العلى من مثل هذا المتحبب النبيل الذي غزا القلوب بوده وإحسانه، فأنزلها على حكمه، ورادها بلباقته حتى نزل في حياتها، وحلّ في الصميم منها، أنه لخليق بمثل ذلك المعشّق الطلعة، الرقيق