للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحاشية، المحبب إلى كل القلوب حتى كأنه خلق منها، أن تدنيه القلوب، وتقر بمرآة العيون، حتى كأنه الزهرة التي رفت حلاوة، وندت غضارة، وغضاضة، فراحت تحملها صدور كل رقيق من الفتيان، ورشيق من الحسان:

يقولون مثر طويل الذيل، تنزل المني على حكمه، ولا يناله الدهر إلا بما يريد، أجل إنه لكما يذكرون، ولكن ليس الثراء كل ما تنزع إليه همة طالب المجد، إن وراء ذلك لغرض ضخم، وآمالاً كبار، يقض لها المضجع، وتذهب عليها نفسه حسرات وماذا يغني الثراء عن ذلك وهل يستخفّ ثكلى محزونة تألق الحليّ في لباتها، وتزدهي بإشراق اللآلئ عليها، وفي صدرها داء دخيل، وغلة هي ما هي، أهلاً بما يهدي إلينا الدهر، وتنفحنا به أيامنا من عطاء سني، ونعمة مبتدأة ومستأنفة، إن كانت العلياء والمجد بين تلك الهبات، وفي جملة تلك العطايا، ولا أهلا بها إن لم يكونا فيها، ولا أبعد الله إلا هبات لا تكسب مجداً، ولا تسمع حمداً، بعدا لطالب المجد يقنع في طلبه بالدون، ويرضي في مسعاه بما دون السماء، إن الحر الكريم النفس، الحمي الأنف، لا يزال ينزع إلى كل عمل جسام، ويسمو للجميل من المسعاة كما يسمو ورد الخدود فيحل في الوجنات الرقاق، ويرتفع رمان النهود فينزل في صدور الحسان، واسوأتاه من أن الرجل السري النابه لا يأبه إلا لأمر طعامه وشرابه، ولا يعمل إلا على نيل حاجته من مطعم شهيّ، وشراب لذّ، وشهوة ممتعة، ثم لا يبالي بعد ذلك أثلم عرضه أم سلم، وخمل ذكره أم نبه، تلك حياة إنما نالها بذلة وخسة كما تبذل البغيّ نفسها، وتبتذل شرفها، لحفظ حياتها، وإمساك حشاشتها، ولخير من تلك الحياة موت مريح، وهلاك شريف:

يعيبون عليّ وقاري، ويستنكرون مني أخذ نفسي بالسكون، وحملها على عزة الجلال، والعزوف عن الطيش، ويقولون إنما هو شاب ناشئ، ماله وما للوقار والجلال، هلّا أرسل نفسه على سجيتها، ومضي مع الصبا والصبوة، مطلق العنان، خليع الرسن، وليس الوقار بهجنة ولا عار على ناشئ حميد السيرة، رقيق الأدب، تطيب سجاياه على علاتها، وترضي خلائقه كلها:

إن في الناس لفريقاً استخفهم سكر الشباب، وسكر الشراب، يحسبون أن السمو كله، والرفعة بجملتها، إنما هي في احتساء العقار، وكأس تدار، فإن كل ما تخيل أولئك حقاً -