للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولن يكون - هتفنا مثلهم بإخوان الأنس، وندامى الكأس، هاك أيها النديم، وهات أيها الساقي الجميل، ولو كان الرقيّ في غزال يتصبى الحسناء، ويمكن من صعب المخبأة الجموح، وفي أن يكون الفتى زير نساء، وقيد ظباء، فإن لي من نفثات السحر، ورقيّ الشعر، ما ينبت مضجع الخريدة الحيية العفيفة شوكاً، ويصيد البكر عن رقودها حنيناً إلى بلبله الغرد، وطائره الصائح، لو شئت - لا شئت - أن أذهب مع السفاهة والطيش، وأجرى مع أسباب الغواية واللهو، لم أبت ليلة إلا ثاني قمر أو شمس، ولم تزل كل مليحة تهدي إليّ زورتها، وتتحفني بمواعيدها، ولكنت كمن يقول:

رعى الله دهراً لم أبت فيه ليلة ... خليّاً ولكن من حبيب على وعد

أجل بصرك فيمن ترى من الناس، وأنا الضمين لك ألّا يزال يصادف سوءة، وتقع به على مخزاة فاشية، وفعلة فاضحة، يروح ويغدو بها أولئك الذين يخيلون إليك أنهم الفضيلة حية، والخلال الحميدة، تطالعك في زيّ الأناسيّ، فلو أن كريه هذه السير، ومساوئ تلك الخلال، يمزج به طيب الثغور لصد العاشق المهجور عن قبلات الحسان، أو يخلط به العذب القراح لثنى عن الري الظمآن، آداب ناشئتنا متكلفة مصنوعة، تخلق لا خلق، ورياء لاحق، إذا أعطاك أحدهم بعضه فلكي يأخذ كلك، كما يصنع الصائد الدرب بتلك الحبات التي يغر بها الطائر حتى يسقط بأجرامه في حبائله، وما أشبه أخلاق نشأتنا المكذوبة المزورة هذه بخدود نسوتنا المصبوغة بصبغ الحقاق لا صبغة الخلاق، لا يغرك ممن تصطفيه منهم وجه يفيض بالبشر، وثغر بسام يزوّر لك القول، ويخلبك بسحر الحديث، فإن وراء ذلك صدراً يغص بأفانين الخداع، ويفتن في ضروب الحيل والكيد، وضلوعاً تنطوي لك على دخيلة شر، ومضمر غلّ، وحذار أن يزدهيك ذلك الوجه المشرق فيودي بك، فإنما هو كالزهر الأنيق يروعك منه مرآة وحسنه حتى إذا أدني من الأنف بعث بجرثومته إلى صدر حامله فلم تخرج إلا في صحبة روحه، همّ الشباب منهم ووكده أن يروح ويغدو آية الحسن، وفتنة القلوب، وأن يشار إليه بكل بنان مخضب، وينزل من الحسن في كل قلب، حتى لقد أزرت البراعة في ملابس الفتيان على البراعة في ملابس الحسان.

هذه آصال مصر وعشياتها، ألست تنظر إلى متنزهاتها، ومسارح ظباءها، كيف تطلع كل مخبّأة، وتبرز كل كريمة مصونة فلا تزال تهدى إلى شبه الظبي ملاحة من فتيانها، شبه