للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المهاة حسناً ورشاقة من فتياتها من كل فتانة المحاسن، ساحرة الجمال، زهراء القناع رقيقة تخالها من ذلك القناع المهلهل الذي يصف وجهها، ويحكي محيّاها، قد أشرفت على مرآتها بعد طول تعهد بالصقل والجلاء، من تلك الحسناء التي تخطر في العشيات فتكاد تتوثب إليها القلوب من صدورها، وتثبت في محاسنها الأحداق والنظرات، تلك التي توحي إليّ خطراتها خطرات شعري وينفث سحر طرفها سحر قوافيّ، أجل من تلك التي يغرى بحركاتها الدل كله، ويكمن في لفتاتها الموت، وينزل في نظراتها السحر، ولمن في الفواتن من الغيد تلك النهود المسددات كالرماح إلى صدور العشاق، يطيح عنها الثوب ويتكشف الملبس، فإذا هي كالثمرة اليانعة تساقط عنها كمها وبدت من غلافها، قامت تتأود كالغصن الأغيد، وأقبلت تصف لنا الغصون النواعم في طيب نشرها، وضائع أريجها، واهاً لها من طفلة غريرة غضة السن صغيرتها في مثل سن البدر، بل في حسنه وإشراقه، تقوم مقام البدر إن نام ضوءه عن ليالي وصالها، وساعات ازديارها، فهي ملء القلب حسناً وحباً، ملء العين إشراقاً وقرة، وما أنس من شيء فلا أنس هذه الدرة الزهراء، واللؤلؤة المتخيرة، لم يزل بها دعاة العهر والفحش، ورواد الريبة والخنى، يرقونها بكل رقية من رقي الفسوق، وينفثون لها في كل عقدة من عقد السحر، حتى أخرجوها عن صدفتها، وأنزلوها من سماء عفافها وعزتها، رحمتا لتلك الفتاة العذراء الغريرة، وحرّ قلباه لهذه الفريسة المغتصبة، فلعهدي بها كبعض الملائكة طاهرة الذيل، عفيفة الإزار، آمنة كبعض حمامات الحرم، يطوي ضميرها على نقاء، ويكشف صدرها عن صفاء، كما تتكشف الصدفة عن درتها، وتنم المزنة الشفوف على الشمس دونها، بل عهدي بتلك الخفرة الحيية أيام كان وجهها بحيائه ومحياها يشرق بمائه، تكاد النظرة تدمي وجنتها الرقيقة، وتستنزل عبرتها حياءً وخفراً، صب عليها نكد الدهر، وتعس الجد، ظبياً من الظباء الآنسة، لا الظباء الكانسة، معشّق الحسن، فتان المحيا يرتقي جب القلوب، لا نوّار الكثيب، ويتشهى من الأفئدة منهوباتها دون موهوباتها، فلم تزل بها ضحكات ذلك الثغر الخائن، وابتسامات هذا المستهتر الفاتك، حتى استتزاتها عن عرش كرامتها، وألقت بها بين يديه محترقة بجمر تلك الضحكات الخائنة، كما تهوي الفراشة على جمرة الشهاب المحرقة، بنفسي هي، ما أشرف نفسها وأسمى همامتها، لم تسلم قلبها لمهاجمه إلا بعد طول مغالبة وفضل مصاولة ومدافعة،