للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الإسلام الحاضرة]

أهدى إلى البيان حضرة الكاتب المشهور محمد أفندي مسعود هذا المبحث الجليل، وهو خاتمة أبواب كتاب حضارة العرب للدكتور جوستاف لوبون الذي ينقله إلى العربية. ولعل قراء البيان يعرفون من هو جوستاف لوبون صاحب كتابي روح الاجتماع وسر تطور الأمم وغيرهما من الأسفار النافعة، وأن هذه اللغة بحاجة ماسة إلى مثل حسنات هذا العالم البحاثة ولا سيما ما كان منها خصيصاً بشؤون الإسلام وحضارة العرب مما يستبصر به المسلم في مدنية المسلمين وسر عظمتهم الماضية، وضعفهم الحاضر، ولا يكاد يظفر بمثله بين دفات تواليفنا العربية - وإنا نزجي خالص الشكر إلى مسعود أفندي على حسن اختياره، وتوفره على نقل هذا الكتاب القيم، وندعو الله أن يهيء له من ساعة حتى يخرج للناس هذه الدرة الثمينة.

أهالت القرون على العرب غبار الزوال، وأدرجت حضارتهم في أكفان التاريخ. فلم يبق منها إلا سيرتها العطرة، وأثرها المائل. ولكن زوالهم هذا لم يكن موتاً سالباً للروح، ومورداً للجسد موارد الفساد والفناء. لأن الدين واللغة اللذين قام العرب بينهما في أرجاء العالم، أصبحتا لعهدنا الحاضر أكثر انتشاراً منهما أيام كانت الحضارة العربية متألقة السنا. فإن اللغة العربية يتكلم بها الصادر والوارد، والغادي والرائح، بين مراكش والهند. كما أن الدين الإسلامي لا يزال نطاقه يزداد كل يوم ترامياً إلى أبعد الآفاق والأقطار.

يقول علماء تخطيط البلدان: إن عدد مسلمي الأرض ينتهي إلى مائة وعشرة ملايين: ولكن انحطاط هذا العدد عن حقيقة الواقع أمر لا ريب فيه. لأن تقديره إنما كان في زمن لم يخطر ببال أولئك العلماء فيه ما ترامى إليه انتشار الدين واللغة في الصين وافريقية من الأفق القصي والأمد البعيد. وإلا فالدين الإسلامي هو الدين الذي تخفق أعلامه على ربوع الشام وديار مصر وبلاد تركيا وأصقاع آسيا الصغرى وفارس وسواد الروسيا وافريقية والصين والهند. وقد بلغ من سعة انتشاره وعليا كلمته أن تناول جزيرة مدغشقر ومستعمرات افريقية. دع ذيوعه بين جزائر ماليزيا (الملايو) وإن سواد أهالي جاوه وسومطرة وغينية الجديدة يدينون به ويهتدون بهديه. ولقد تخطت عقائد وأصوله معتلج لجج الأقيانوس فبلغت امريكا على يد زنوج افريقية.

ومما يسترعي نظر المتأمل سهولة انتشار الإسلام في نواحي العالم قاصه ودانيه فإنه ما