للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حضارة العرب في الأندلس]

الرسالة الخامسة

تاريخ الأندلس

منذ فتحها المسلمون إلى وقتنا هذا وهو سنة أربع وتسعين وثلاثمائة من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

سألتني أمتعك الله بالأدب وأذاقك حلاوة المعرفة أن أردف رسائلي التي وضعتها قديماً في طراءة العمر وريعان الصبى أثر وفودي على الأندلس برسالة أبسط لك فيها تاريخ ذلك القطر العجيب الذي كأنه قطعة انخزلت من الفردوس وسربت من السماء إلى الأرض وقرت عيناً بهذا المكان فاستقرت وكانت لاهليه روحاً وريحاناً وجنة نعيم

إن للجنة في بالأندلس ... مجتلى حسن وريا نفس

فسنا صبحتها من شنب ... ودجى ليلتها من لعس

وإذا ما هبت الريح صبا ... صحت وأشوقي إلى الأندلس

وإنها عمرك الله وملاك بها لخليقة ... بقول من قال وقد طبق المفصل

أي المعاهد منك اندب طيبة ... ممساك بالآصال أم مغداك

أم برد ظلك ذي الغصون وذي الجنى ... أم أرضك الميثاء أم ريك

وكأنما سعطت مجامر عنبر ... أوفت فار المسك فوق ثراك

وكأنما حصباء أرضك جوهر ... وكأن ماء الورد دمع نداك

وكأنما أيدي الربيع ضحية ... نشرت ثياب الوشي فوق رباك

وكان درعاً مفرغاً من فضة ... ماء الغدير جرت عليه صباك

ومن هنا أصاب سؤالك عن نفسي مواقع الماء من ذي الغلة على الرغم من تقدم السن وضعف الشيخوخة وأكلى على الستين. وسنفتتح لك هذه الرسالة التي سألت بالقول على الأندلس وتقويمه ووصف ما أجملته هنا من خصبه واستبحار العمران فيه وذكر البلدان والأنهار والمعادن والأجبال وسائر الخصائص التي احتوى. والله سبحانه هو الموفق لإتمام هذه الرسالة على ما تحب وتهوى. ولما فيه رضي الله والراسخين في العلم إن شاء سبحانه.