للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة تاريخ أداب العرب]

لأبي السامي مصطفى صادق الرافعي

صدر المجلد الأول من هذا التاريخ الذي عقمت بمثله العصور العربية إلى اليوم وقد كتب له صاحبه مقدمة سالت من ذلك القلم النوراني كما يسيل الندى من مقلة الفجر، وسقطت على الأرواح كما يسقط ذلك الندي على الزهر فهي النور المشرق في صفحة الصباح ينبعث من أفق واحد ويضيء على كل الآفاق وكذلك تراها في أوراق هذا الكتاب ولا ترى مثلها في سائر الكتب والأوراق.

وقد رأينا أن نحلى بها البيان لأنها طراز في الإنشاء لايدانيه طراز ونمط أن رأى فيه صاحبه النابغة معنى الاعجاب رأى الناس فيه معني الإعجاز قال حفظه الله:

(أما بعد) فإن هذا التاريخ علمٌ قد كثرت عليه الأيدي واضطربت فيه الأقلام، واستبقت إليه العزائم حتى عثرت بها عجلة الرأي ولجاجة الأقدام، وقد أخصب في الأوهام، حتى نفشت في واديه كل جرباء وامتزج أمره بالأحلام، فلم يمس كتابه علماء حتى أصبح قراؤه أدباء، على أنهم تجاذبوه انتهاباً فجاء واهياً في وثيقته، وتناكروه اهتياباً فخرج ضعيف الشبه بين ظاهره وحقيقته، وما منهم إلا من يحسب أنه أمال بالقلم يده فمضي مرخى العنان، مخلى له عن طريق السبق إلى الرهان، وإن للقلم لو أطلقوا لنفرةً أيسر خطبها الجماح ولكنه مذلل كالطائر أهون ما يطرد إذا كان مهيض الجناح.

كثرت الكتب وهي إما أعجمي الوضع والنسب، وإما هجين في نسبته إلى أدب العرب، يلتفت فيها الكلام التفاتة السارق إلى كل ناحية ويسرع في مره إسراع السابق على كل ناجية، فلا يحققون ولكن يخلدون إلى سانح الخاطر كيفما خطر، ولا ينقبون ولكنهم يجدون في كل حجر أصابوه معنى الأثر، وإذا كتبوا تاريخ الرجال فكأنهم يكتبونه على ألواح القبور، ثم ينطلق الكتاب وفي صدره اسمُ (المؤلف) يسعل به كما يسعل المصدور، وهم لو علموا منطق المعاني لرأوا كلاماً كثيراً يدعوهم أن يدعوه، وكان يرفعهم لو أنصفوه ولم يضعوه ولكنهم يأخذون في جانب ويضمون ماضم حبل الحاطب، وإنما العلم كالروض يقصر بعض أغصانه فيسهل على كل متناول، ويطول بعض فروعه فيكد يد الفارع المتطاول وهذا التاريخ قد طوي في رؤس أهله فكانت جماجمهم غلاف كتابه، وغابت