للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فكاهات ونوادر ومختارات في الأدب والتاريخ]

نبل أرواح العرب

كان معن بن زائدة الشيباني من سادات العرب وكان نادرة الفلك في الكرم والجود. وكان في أيام الدولة الأموية يتنقل في الولاية من الآية إلى الأية، وكان منقطعاً إلى يزيد بن عمر الفزاري أمير العراقيين أزمان الأمويين فلما دالت الدولة إلى العباسيين وجرى بين أبي جعفر المنصور وبين يزيد المذكور من محاصرته بمدينة واسط ما هو مدون في كتب التاريخ أبلى يومئذٍ معن مع يزيد بلاءً حسناً فلما قتل يزيد خاف معن من أبي جعفر المنصور فاستتر عنه مدة وجرى له مدة استتارة غرائب فمن ذلك هذه الحكاية التي تشف عن نبل أرواح العرب سواء في ذلك أميرهم وحقيرهم، حدث الشاعر مروان بي أبي حفصة - وكان مروان شاعر معن خصيصاً به - قال: أخبرني معن وهو يومئذٍ متولي بلاد اليمن أن المنصور جد في طلبي وجعل لمن يحملني إليه ممالاً فاضطررت لشدة الطلب إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي وخففت عارضي ولبست جبة صوف وركبت وخرجت متوجهاً إلى البادية لأقيم بها فلما خرجت من باب حرب - وهو أحد أبواب بغداد - تبعني أسود متقلد سيفاً حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه وقبض على يدي فقلت له وما بك فقال أنت طلبة أمير المؤمنين فقلت ومن أنا حتى أكون طلبة أمير المؤمنين فقال أنت معن بن زائدة فقلت له يا هذا اتق الله وأين أنا من معن فقال دع هذا فإني والله لأعرف بك منك فلما رأيت منه الجد قلت له هذا عقد جوهر بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي فخذه ولا تكن سبباً لسفك دمي قال هاته فأخرجته إليه فنظر فيه ساعة وقال صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن شيءٍ فإن صدقتني أطلقتك فقلت قل قال إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط قلت لا قال فنصفه قلت لا قال فثلثه قلت لا حتى بلغ العشر فاستحيت وقلت أظن أني قد فعلت ذلك قال ما ذاك بعظيم أنا والله راجل جندي بياده ورزقي من أبي جعفر المنصور كل شهر عشرون درهماً وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس ولتعلم أن هذه الدنيا من هو أجود منك فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل جود فعلته ولا تتوقف عن مكرمة ثم رمى العقد في حجري وترك خطام الجمل وولى