للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإنسان وضميره]

مختارات من فلسفة الدكتور رولسون وآرائه

طبع في هذه الأيام الأخيرة كتاب ممتع، غريب المنحى بقلم الرئيس ويلسون اختص بطبعه فرنسا وحدها، ولم ينشر قبل اليوم في غيرها، لا في أميركا ولا في بلاد البريطان، وقد وسمه ذلك السياسي العظيم بعنوان عندما يثوب الإنسان إلى نفسه والناظر في هذا الكتاب يتبين من تضاعيفه أصول هذه النزعات الطريفة التي جعلت من ذلك الرئيس حامل الوحي السياسي، وواضع خريطة الدنيا القادمة. ونحن نقتطف من ذلك الكتاب الجديد الذي وضعه هذا الرجل جملة من الآراء والشذرات الطيبة الصالحة.

أولئك الذين يريدون أن يعيشوا على المثل الأعلى، ويضعوا نصب أعينهم مبدأ سامياً، ويمشوا في العالم على هدي سنة كمالية، إنما يأخذون على عواتقهم مطلباً صعباً، ويلزمون أنفسهم واجباً قاسياً شامساً، ولكنه ولا ريب لا يزال واجباً جميلاً نيراً بهيجاً ممتلئاً حياة ونشاطاً وقوة.

لكي يصل الإنسان إلى ضميره، ويصدر في أعماله عن وجدانه الحقيقي، ينبغي أن لا يفكر في مصالحه الذاتية خاصة، بل كان لزاماً عليه أن يطرح حقائر الأمور، ويدع جانباً صغائر الفعال، ولا يشغل ذهنه باعتقاده أنه المركز من العالم كله، والقطب من رحى الدنيا، بل عليه أن يجيل البصر بعينيه المتفتحتين المحملقتين في الكون. ويكتشف بنظره مجاهل العالم، وأن يتعلم كيف يرى الدنيا على حقائقها حتى يتبين المكان الذي يشغله منها، والدور الذي ينبغي له أن يلعبه فوق مسرحها.

ولا ريب في أن الطريق إلى بغيته هذه محفوفة بالأشواك يتخللها القتاد، ويفرع فيها العوسج، وسيلقى في سبيله الإغراءات، وتفتنه الأوهام، وتخدعه الخدائع، وستهوي تحت مواقع قدميه مدارج السلم وتختفي مصاعد المرقى، ولكنه إذا تعلم كيف يتخلص من الهواجس الإنسانية، وطائشة أفكار الدنيوية وإغراءات العمل وهموم الفعل وتنصبه ومتاعبه، إذن فالهدى هداه والنور مضيء له الشبهات، وهو إلى النجاح موفض مسرع.

وعلى رغم الدموع والعبرات، والآلام والنكبات، لن يفقد ثباته، ولن يرتد عن مطلبه، ما دام قد حشد قوته لبلوغ الغاية، ووضع عينه على إحراز المقصد، بل سيبقى في نجوة من