هذه المملكة البروسيانية، أحدث أمم الغرب عمراً، وأنضرها شباباً وخامسة أترابها خلائق وسكاناً، ووفرة وغناء، وثالثتها إن لم تكن ثانيتها أدباً وعلماً ومدنية وعمراناً، وثبت من منشأ وضيع، وطفرت من أصل خفيض، وتسنمت ذروة المجد، وكانت من قبل في الحضيض.
أنعم الإمبراطور (سجسماند) على أسرة هوهنزلرن، العريقة في النهل المتمكنة في الشرف، بمركيزية برندنبورغ، وكان القرن الخامس عشر لا يزال بعد وليداً، فلما قضي ذلك الجيل وأقبل القرن السادس عشر يمشي الخيلاء، دخلت هذه الأسرة الكريمة في دين لوثر، واعتنقت مذهبه، وفي أوائل القرن السابع عشر خلع عليها ملك بولونيا دوقية بروسيا وقلدها ذلك المنصب.
على أن هذه الأرض التي تملكتها، والولايات التي تقلدتها، ما نهضت بها إلى مرتبة أمراء سكسونيا، ولا رفعتها إلى مقام سادة (بافاريا).
كانت أرض (برندنبورغ) جرداء، لا يطيب فيها زرع ولا يصلح فيها نبات بل كانت جنبات برلين، وهي عاصمتها، وجوار بوتسدام، وهي مقام حكامها المحبوب ومقر ولاتها الأمين، عراء خلاء.
وكان يحصل في بعض أصقاعها، من كثبان رمالها، على شيء نزر من الحنطة والدخن، بشق النفس، ومشقة الحرث.
وفي نواح أخر بقيت الغابات القديمة والأجمات التي جازها الفاتحون من الدولة الرومانية إلى ضفاف (الطونة)، لم تمسها يد الإنسان، ولا عملت فيها معاوله.
وما كان من هذه الأرض غنياً خصيباً فشت فيه المستنقعات وأفسد هواؤها صحة السكان حتى تولى الزارع عنها بعد ما غرهم خصبها وخدعتهم جودة تربتها. وكان فريدريك غليوم الملقب بالأمير الكبير السيد الذي اجتمع خلفاؤه على أنه واضع أساس عظمتهم، ومعلى بناء