للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأدب والتاريخ]

الشاعر جوت

أغلقوا بيرونكم وتعالوا نسمع جوت الجديد

كارليل

١ـ مكان جوت من تاريخ

مات جوت عام ١٨٣٢، أي منذ ثمانين حولاً وأربعة أحوال، مات في السنة التي قضى فيها الروائي والتر سكوت، وقبل عامين من وفاة الشاعر كولوريدج، وقبل ثمانية عشر عاماً من نعي الشاعر وردسورز، وبعد عشرين عاماً من ذهاب بيرون، وسبعة وعشرين عاماً من متوفى صديقه شيللر، فلما مات، كان ملك الشعر الألماني، وسيد الأدب الغوطي، ورأس الأدب الغربي، وكان كارليل القيثار الحلو لاغاريد الذي يتغنى باسمه، وينشد الأرض بطولته، ويترنم الناس بشاعريته، وكان يصيح في العالم أن في جوت الدواء الناجع من أمراض الحياة، والأشفية الصالحة من علل العصر، وأن جوت أمير الأدب والشعروالفلسفة والفكر، وغن الشباب الذين لا يزالون في دور الحيرة من أمور حياتهم، والذين يعانون من هموم العصر ومساوئه، ينبغي لهم أن يتبعوا هذه الوصفة الطبية، وهي أغلقوا بيرونكم وافتحوا جوتكم ومنذ ذلك اليوم أصبح جوت رأس كتاب ألمانيا، وفي طلائع كتاب الغرب بأسره، وإن ثنا كثيرون من الكتاب يتغنون في أثر كارليل باللحن الجوتي ويضجون بأنشودته وأنت تعلم أن جبابرة الكتاب وعظماء الذهن يمرون في طريقهم إلى الخلود بأدوار عديدة بين موتهم وبين ظفرهم بهذه الخاتمة، إذ يتسآءل الناس بعدهم عما إذا كان الجيل الذي جاء في أعقاب وفاتهم. سيحبهم كما أحبهم الجيل الذي شهد موتهم. وعما إذا كانت كتبهم وتواليفهم ستصلح بعد الجيل قد تطورت أراؤه في الحياة والدين والعلم والفلسفة، ووثب فيه إلى مكانهم شعراء مغلقون غيرهم، ونحن نرى أنه قد لا تمضي عشرون عاماً أو ثلاثون على وفاة الشاعر الكبير، أو الكاتب المبدع، حتى ينساه الناس، ويجهله العصر، إذ تخرج إلى العالم صحيفة جديدة من الفكر تذهب برواء صفحاته، وتفقده البهجة والجدة والبهاء التي كانت جميعاً في كتبه، وإذا بك ترى الكاتب الذي كنت تظنه موفضاً في سبيله إلى الكواكب قد عاد فهوى إلى الأرض، وغاب في غمار الناس، واختفى