للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[النجاح]

ماكس نوردو اسم عرفه قراء هذه المجلة بما نشرته لهم ملخصاً عن كتابه الأكاذيب المقررة في المدينة الحاضرة ولهذه النقادة غير كتاب الأكاذيب كتب عدة نبحث في موضوعات شتى، فمنها كتاب الانحطاط والاضمحلال ومنها كتاب الفنون وأهل الفنون ومنها كتاب الغرائب وهو الذي نلخص عنه هذا الفصل في موضوع النجاح.

والنجاح على كونه طلبة العامل والعاطل، ومنية الكبير والصغير، فقليلاً ما كتب فيه الكاتبون، وقل في هذا القليل من أصاب وأفاد، لأن للنجاح صناعة يموت أكثر الناجحين على سرها. أو يبوحون ببعض السر ويكتمون بعضه خجلاً أو استئثاراً. إلا أن نورد وسلك في هذا الفصل مسلك التعريض بأسباب النجاح في عصرنا هذا، فجر وسائله ولم يأت في جده وهزله بكلمة لا يؤيدها الواقع أو يقوم عليها الشاهد من العيان. ولكنها حقائق لا يقبلها ولا يثق بها إلا رجل أفلح أو رجل أخفق. فأما المفلح فيعلم بم نجح، وأما المخفق فيعلم لمَ لمْ ينجح، وأما الذين هموا بالنجاح ولم يمارسوه، وعشوا إلى ضوء ناره ولم يواقعوه، وحلموا بإدراكه ولم يحققوه، فأولئك يثقون بأحلامهم وأمانيهم أكثر من ثقتهم بهذه الحقائق المؤيدة وإن كانت غير شريفة، والتجارب الصعبة على كونها أسهل من الشرف في إحراز النجاح.

وقد أفرغه في قالب الدعابة والسخر ولكن فيه من روح التذمر والنقمة ما يحسده عليه شوبنهور أمام الساخطين. مع أنه استهل هذا الكتاب بفصل مسهب في التيمن والتطير، فكان زبدة كلامه أن التيمن أعمق في الطباع من التطير، وأن النفوس أسكن إلى حسن الظن بالناس والحياة منها إلى سوء الظن بهم.

ولما ظهر هذا الفصل حسبه بعض الجهلاء جادوا في قوله، وفهموا أنه يجيز استخدام هذه الوسائل ولم يفهموا أنه ينكرها ويشهر بها، فقرعوه أقبح التقريع وسبوه في أخلاقه ومبادئه، فذيل الفصل في الكتاب بكلمة قال فيها إنه كان يود لو أتيح له نشر صور هؤلاء الكتاب لأنهم ولا ريب من عجائب المخلوقات في هذا القرن العشرين.

وكأنهم استغربوا من الرجل مجاهزته بأن النجاح يغتنم أحياناً بالخداع والتلبيس - استغربوا منه ذلك جرياً على مذهب المتشددين في تربية الناس وهم أحوج الناس إلى من يتشدد في تربيتهم، والقائلين بتجاهل مثالب المجتمع وهم من حسور النظر بحيث لا يعلمون مثالب المجتمع أو محامده، وطالما سمعناهم يحتمون على الكاتب إذا كتب في النجاح أن ينبه