القراء إلى التعويل على أنفسهم وإلى تمحل أسباب النجاح وابتغاء الوسائل إليه. قلنا إن كان هذا واجباً فأوجب منه أن ننبه الأمة إلى أن المعول في نجاح تلك الوسائل إنما هو عليها. فإن زمناً من الأزمان لم يخل من وسائل للنجاح كائنة ما كانت. وإنما على الأمة أن تحذر لئلا تكون تلك الوسائل مما لا يحذقه إلا أرزالها، ومن لو نجحوا الأضر نجاحهم بها، وكان تقدمهم وبالاً عليها، ولئن كان من واجب الفرد أن يسعى ليستحق النجاح فلا نزاع في أن واجب الأمة أن تسعى لينال النجاح من يستحقه، إذ ليس كل من ينال النجاح ويستحقه، ولا كل من يستحق النجاح يناله.
ولو كان العامل وحده هو المؤثر في عمله للزمته وحده تبعة النجاح أو الخيبة، ولكن للنجاح أركاناً هي العمل والعامل ووقت العمل ومكانه. فربما كان العامل واحداً في البلدين فينجح هنا ويحبط هناك وربما كان العامل بعينه والبلد بعينه ولكنه ينجح في وقت ويحبط في وقت آخر. وقد تكون البيئة واحدة والعمل هو هو فيقدم عليه اثنان يظفر أحدهما ويفشل الآخر. فلا يجوز أن يتجه اللوم كله إلى العامل. فربما كان الفشل في بعض البيئات أشرف للرجل وأصون لمروءته وأدل على قدرته الصحيحة من نجاحه. وهؤلاء النشوئيون واضعو قاعدة بقاء الأنسب لا يتخذون النجاح معياراً للأفضلية، ولا يقولون أن بقاء الأنسب معناه بقاء الأرقى والأحسن. بل قد يكون الأمر على نقيض ذلك. قال سبنسر: ليس المراد بقانون بقاء الأحسن أو الأقوى هذا المعنى الذي تنطوي عليه حروف هذه الكلمات في عرفنا. ولكن المراد به بقاء أولئك الذين هم أصلح بتركيب أجسامهم للحياة في البيئة والأحوال التي وضعوا فيها. وكثيراً ما يتفق أن ما هو أحط وأصغر في التقدير الإنساني يسبب البقاء.
ونحن بادئون بتلخيص ذلك الفصل. سأل نوردو: ـ
أي غاية نتوخاها من هذا التعليم المدرسي ومن عامة أصول التربية والتهذيب؟؟ قال لا لبس في جواب هذا السؤال. إذ لا ينبغي أن تكون الغاية القصوى من ذلك إلا أن نجعل الحياة أوفق لنا بتعميقها، ومضاعفة خيراتها، وتزيين ظاهرها وباطنها. وإذا التمسنا الإيجار فأن تزيدنا وتزيد المجتمع الذي نحن فيه رغداً ورفاهة. وليس لهذه الحقيقة إلا وجه واحد فأما من يخالف في ذلك من علماء التربية فهم يقعون دون المرمى. وربما قال أحدهم أن