غاية المدرسة هي تكوين الشخصية. فلعمري ما معنى هذا الكلام إذا نحن أنعمنا في تحليله؟؟ ما كانت الشخصية لتصب في قالبها لجمال محياها أو لتروق نظر الناظرين إليها كما يصب التمثال. ولكنها خلق يرام به شيء من النفع. وما المثابرة على الغرض، والثبات في الأعمال، والإصرار على الرأي والصدق في الرغبة، والإقدام إذا أعوز الأمر إلى الخصام، إلا درع يستلئمها الرجل وسلاح يتقلده في كفاح الحياة وتنازع البقاء. وهم يسلمون بأنها أخلاق تمهد لصاحبها الغلب على أعدائه ومنافسيه. يقولون وإذا شاء الله مرة أن يظهر الذي هو أدنى على الذي هو أعلى ففي هذه الأخلاق سلوة وشفاء لا لم الفشل وعون على الرضى عن النفس، بل وعلى المباهاة بتلك الخصال التي نجم عنها اندحار المهزوم وخيبته.
وربما قالوا أيضاً أن الغرض من المدرسة إنماء العقل، وتقوية العزيمة، وتهذيب المشاعر لتحس الطيب والجميل من الأشياء. فقل لي ما هو فحوى كلامهم هذا؟؟ إن العقل ينمو ليتفهم به الرجل أسرار الطبيعة وأمزجة الناس، فيتمتع بما في معرفة طبائع الأشياء وعناصرها من اللذة والغبطة - ذلك إلى حد تنتهي عنده لذة المعرفة وغبطتها. ثم يتذرع بها إلى ذود الضرر عنه وجلب المنفعة إليه، وأما العزيمة أو الإرادة فإنما يستحب أن تقوى ليدرأ بها ما يؤذيه ويثبطه، ولا يقصد بتهذيب الأذواق وإعدادها للإحساس بالجمال والخير إلا أن تكون باباً يلج منه إلى النفس مشاعر لاذة لها، سارة لوجداناتها، فهل لهذا الكلام فحوى إلا أن تصير الحياة أوفق للإنسان؟؟.
قال نوردو فإذا نظرنا إلى مدرسة اليوم بأساليبها وبرامجها أترانا نجدها كافلة بهذه الغاية، مفضية إلى هذه الجهة؟؟ قال كلا فإنها لا تخرج إلا تلاميذ يطرحون سلاحهم للصدمة الأولى، وكأن الذين سنوا طرائق التربية طغمة من دهاة الساسة أرادوا أن يستحوذوا على عروض الحياة ويحرموا منها الناس أجمعهم، فاجتمعموا على ابتكار هذه الطرائق يعلمون الناس كيف يعجزون عن تحصيل تلك العروض، وكيف يقنعون من الغنيمة بالإياب. ثم تطرق من هذا إلى دعابة مفعمة بالجسد والحقيقة الدنيوية، قال: بين النظام المدرسي الآن فجوة لا يحسن أن تظل بعد اليوم فارغة. ولقد لهوت حيناً بأحلام كنت أرددها وكنت أمني النفس بإنشاء مدرسة تعلن للملأ جهرة أنها لا تنوي أن تشتغل بغير آلات النجاح وتجهيز