للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[القطب الشمالي]

الرحالة بيرى يصف عودته من القطب الشمالي

بعد ربع قرن قضيته في كفاح وجهاد ومساغ ضائعة متتابعة أبى القدر إلا أن أنجح أخيراً فرفعت علم وطني، ذلك العلم الأمريكاني، في بقعة من ذلك القطب يحسدنا عليها العالم طرا.

لقد أقمت بالقطب ثلاثين ساعة عصيبة رأيت في خلالها مناظر ومشاهد كثيرة واستطعت فيها أن أجد وسيلة لكتابة رقعة إلى زوجتي استلمتها في سدني.

فلما كان اليوم السابع من شهر ابريل سنة ١٩٠٩ في الساعة الرابعة من المساء بدأنا نعود أدراجنا من المخيم الذي ضربناه في ذلك القطب.

ولقد يخطئ من يحسب أن المتاعب قد انتهت بعودتنا وأن ما لاقيناه من الرهق في سفرنا لا نلقاه في رجوعنا. إذ العود أشق والرجوع أصعب أنكد. ومصاب الكبتن سكوت ونحس طالعه في عودته دليل محزن مروع. وبرهان ناصع مجيد.

أما أنا فلم يؤبه لعودتي لأني ما كدت أعود إلى أمريكا حتى أهملت ذكر ما حدث لي بعد ما رفعت العلم الموشى بالأنجم الزهر. فوق تلك الثلوج البكر. حتى وصلت إلى موطني.

وقد جئت اليوم أروي للقراء تفاصيل ذلك الرجوع. وهم سيجدون أن الرحلة إلى القطب تشابه بعض المشابهة مسألة الطيران في صعوبتها وأخطارها.

قبل الرحيل جمعت رجالي إلى حديث سريع ثم أفهمتهم ضرورة الوصول إلى الأرض قبل مد البحر القريب الحدوث. ووجوب استعمال جميع قوانا في تحقيق ذلك الغرض. وألقيت في روعهم أنه يجب أن نجد في المسير وننام النوم القليل وأن نسرع من غير توقف أو تمهيل.

فأحدثت خطتي هذه همة كبرى عند أولئك الرجال وجعلنا نطوي المراحل مضاعفة إذ كنا نقطع المرحلة الواحدة ثم نقف ريثما نتناول الشاي وطعام الإفطار وبعد ذلك نواصل المسير فنطوي مرحلة أخرى ثم ننام بضع ساعات فإذا انقضت عاودنا على أننا والحق يقال لم نستطع أن نلزم هذه الطريقة في رحيلنا بل جعلنا نقطع تسع مراحل من ذهابنا في ثلاث من عودتنا وكل يوم يروح عنا بعض ما يعتادنا إذ كنا نشفق أن تندرس آثارنا الأولى