للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المرأة والروح العسكرية]

للأستاذ عبده برقوقي المحامي

إن للأنظمة السياسية والاجتماعية واصطباغها بالروح العسكرية والاقتصادية شأناً كبيراً وتأثيراً عظيماً في تحديد مركز المرأة الاجتماعي ودرجتها من الاحترام العام. وذلك لأن الأمة التي تتغلب عليها الروح الاقتصادية مهما كانت جهالتها وسذاجتها تعظم نساءها وتعلي قدرهن وتحيط حقوقهن بسياج متين من القوانين والعادات التي تدفع عنهن كل افتيات. فال تبيح تعدد الزوجات وإن إباحته مقتته ولا تجعل للرجل سلطاناً مطلقاًَ على المرأة بل تبين حدوده ومعالمه بشكل نير واضح. ولا تكره البنت على الزواج بالشاب الذي يختاره لها والدها بل المرجع في ذلك إلى رأيها واختيارها.

وللبنت في بعض القبائل الساذجة التي من هذا القبيل أن تخطب بنفسها الشاب الذي تريده ولا تنتظر أن يتقدم إليها بل ترسل والدها إليه ليخطبه. أما الأمم والقبائل التي تتغلب عليها الروح العسكرية فعلى عكس هذا الخلق. تستهين بالنساء وتعبث بحقوقهن وتسيء معاملتهن.

وإذا تصفحنا الأمم واستقرأنا العادات واستوعبنا القوانين تتجلى لنا صدق هذه النظرية. ففي بولينيزيا نجد قبيلتي فيجيان والسامون على طرفي نقيض من الأخلاق. فالأولى مفطورة على حب القتال وترى الروح العسكرية منسكبة في مشاعرها وأنظمتها.

فرؤساؤها يتمتعون بسلطة لا حد لها وهي منقسمة إلى طوائف بعضها فوق بعض الأدنى يطيع الأعلى طاعة تقرب من العبادة وعلى رأس الجميع رجال الحرب وهم على جانب عظيم من القسوة والعنف. ولها جيش منظم على رأسه ضباط بدرجات مختلفة. فهذه القبيلة الحربية يذيع بينها تعدد الزوجات إلى أبعد مداه ويقتني رؤساؤها عشرات الزوجات إلى المئة وتحتقر النساء وتزدريهن وتبيح للرجل أن يبيع زوجته وأن يذبحها ويأكل لحمها إذا أراد.

أما القبيلة الثانية فالروح الاقتصادية سائدة فيها. لها حكومة دستورية ورؤساؤها يعينون بالانتخاب. وسلطتهم مقيدة محدودة. وبها نظام اقتصادي محكم الترتيب والنظام. فحث الإضراب عن العمل معروف لديها ومسموح به للعمال وبها نقابات للصناع وأجراء يعملون