للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفحة من سيرة عمر]

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثال الإمام العادل. فقد كان تقياً زاهداً ورعاً وقد كان شديد السياسة لا يحابى أحداً ولا يراقب شريفاً مشروفاً. وقد كان يلين في موضع اللين ويقسو في موطن القسوة. وكان جريئاً في التشريع ومن ذا الذي يفهم أسرار الشريعة الإسلامية أكثر من عمر، وهو الذي جعل الطلاق الثلاث في لفظ واحد طلاقاً باتاً بعدما كان كالطلقة الواحدة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر بالصديق وصدر من خلافته. وهو الذي أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية لأن المسلمين بعد وفاة النبي كانوا يجيئونها فيصلون فيقيلون تحتها فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم أمر بها فقطعت. وقال المغيرة بن سويد خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ولإ يلاف قريش فلما فرغ رأى الناس يبادرون إلى مسجد هناك فقال ما بالهم قالوا مسجد صلى فيه النبي والناس يبادرون إليه فناداهم فقال هكذا هلك من كان قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له صلاة في هذا المسجد فليصل ومن لم تعرض له صلاة فليمض - ونحن ذاكرون هنا طرفاً من نوادر هذا الإمام العظيم لعل فيها عبرة لمن اعتبر.

روي الزبير بن بكار قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق وصامت فكتب إليه: أما بعد فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك ولا كان لك مال قبل أن استعملك فأني لك هذا فو الله لو لم يهمني في ذات الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي وانتثر أمري ولقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك ولكن قلدتك فاكتب إلي من أين لك هذا المال وعجل، فكتب إليه عمرو: أما بعد فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فأنا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار كثيرة الغزو فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها ووالله لو كانت خيانتك حلالاً ما خنتك وقد أئتمنتني فإن لنا إحساباً إذا رجعنا أليها أغنتنا عن خيانتك وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فو الله ما دققت لك يا أمير المؤمنين باباً ولا فتحت له قفلاً فكتب إليه عمر: أما بعد فأني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء ولكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال ولن تعدموا عذراً وإنما تأكلون النار وتتعجلون العسار وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك