للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما هدأت الثورة أوفد إنكلترا اللورد دفرن سفيرها في الآستانة يومئذ ليدرس أحوال البلاد وليضع لها نظاماً حكومياً. ولم يلبث دفرين أن قدم تقريراً طويلاً حكم فيه بموت مجلس النواب الذي عقد في سنة ١٨٨١ وبإحياء النظام الذي انقضى أجله صيف سنة ١٩١٣ والذي كان مؤلفاً من مجالس المديريات ومن مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. ولم يكن رأي أي من هذه المجالس قطعياً في أية مسألة من المسائل. بل وضعت أولاً للغرض الذي وضع له المجلس الذي عقده الفرنساويون سنة ١٨٩٨ أي لمساعدة الحكام في الحكم وثانياً لتكون صورة تحركها الحكومة على ما تحب وتجد من هذه الحركات ما تلهي به أنظار المتطلعين من أنصار الإنسانية من أهل أوروبا.

وفي هذه السنين ابتدأت الصحافة تنتشر في مصر وتذكر الناس بالحرية وتعلمهم معانيها وقام من بين من قصدوا للصحافة أو كتبوا فيها رجال نوابغ هزت كلماتهم البلاد وأدخلت إلى نفوسنا الميتة شيئاً من الإحساس بالحياة وشوقاً وتطلعاً للحرية. وساعدت الحوادث هؤلاء الرجال ونما بذلك هذا الإحساس وطالبت البلاد مطالبة هادئة بأن تشترك مع الحكومة في الحكم وأن تكون ذات رأي قطعي فيه. وأسمع المتكلمون حكومة مصر وحكومات العالم المتمدين صوت هذه الأمة. وعلى أثر كل هذه المجهودات فكرت القوى الحاكمة في أن تجيب هذا النداء وكان أثر هذا التفكير القانون النظامي الحاضر الذي أنشأ الجمعية التشريعية.

اهتمت الأمة لهذا القانون قدر ما يستحق وكان كل اهتمامها موجهاً لانتخاب الأكفاء من الرجال. وفعلاً انتخب جماعة ذووا كفاءة عالية وعقل راجح وصوت مسموع ترجو أن يبعثوا إلى أمتنا من روحهم ما تزداد معه شوقاً للحرية وتلهفاً على جهتها وأن يسيروا وإياها إلى الحكم الديمقراطي الكامل.

إلى هنا انتهينا من مر النظر سريعاً على تطور النظامات النيابية من جهة تكوين معنى الحرية على مختلف العصور وفي مختلف الأمم بالقدر الذي يسمح ليكون مقدمة لما سيكتبه البيان عن حياة النواب الذين شرفوا كرامى الجمعية التشريعية. // محمد حسين هيكل