للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تفاريق]

غرامات الحروب

الحرب لعبة غاية الثمن، باهظة القيمة، وأغرب ما يذهب في سبيلها ما يسمونه غرامة الحرب، إذ لا يكفي المنهزم نكبة هزيمته، والنفوس التي ذهبت فدى لفكرة وهمية قامت برأس ملك أو برلماني أو جماعة من السياسيين، والملايين المنثورة التي خرجت من الجيوب لتدخل رصاصاً وقنابل وقذائف في جسوم القطعان الإنسانية المسوقة إلى المجزرة، بل ترى سنن الحرب تطالبه بعد كل ذلك بالغرامة، وشروط الصلح تلزمه المكافأة للغالب، والجائزة للمنتصر، فهو على حد المثل العلمي السائر موت وخراب ديار.

ولا أدري ماذا كان يقول أجدادنا الذين شهدوا الملايين العديدة التي ذهبت في حرب القرم أو الحروب النابولونية، إذا هم علموا أن كل ما ضاع في تلك الحرب يكفي إنجلترة في هذه الحرب أسبوعين لا غير، وإن جميع الملايين من الجنيهات التي صرفتها بريطانيا في حربها مع البوير لا تعدو أن تبلغ قيمة فاتورة واحدة من الفواتير التي يعمل حسابها لسبعة أسابيع فقط.

ولقد كان من ارتفاع ثمن هذه اللعبة الخطرة في العصر الأخير، إن ارتفع أيضاً ثمن الغرامة التي يدفعها المغلوب في ميدان هذه اللعبة.

ولعل القراء يذكرون أن الحرب السبعينية قررت الغرامة على فرنسا، وقد ظن الناس إذ ذاك أن مقدار هذه الغرامة كان قاسياً باهظاً ظالماً، إذ طالبتها بروسيا، بعد تسليم الألزاس واللورين، بغرامة مقدارها خمسة بليونات من الفرنكات فوق البيعة وإن يظل الجنود البروسيون محتلين الأرض الفرنسية حتى يومذاك إن فرنسا لن تستطيع ـن تفيه إلا بعد عشرين عاماً على الأقل. وإنها ستضطر كذلك إلى البقاء تحت قبضة الغالب. ولكن العالم لم يلبث أن أخذته الدهشة الكبرى إ رأى أن فرنسا استطاعت أن تدفع آخر فرنك وتجلي عن أرضها آخر جندي ألماني، في خلال سبعة أعوام. ولكن هذه الغرامة العظيمة، وإن كان حمل زنتها من الذهب يستلزم ثلاثين كتيبة من الجنود، أو ثلاثين طابوراً لا تزال أقل مقداراً مما تنفقه الدول المتحاربة اليوم في إثني عشر يوماً!!

على أنه لم تدفع أمة قبلها غرامة مثلها. فإن روسيا لما انتصرت على تركيا منذ أربعين