للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب تدبير المنزل]

تربية الطفل

(٢) الغرض من التربية

يجب على الآباء أن يضعوا نصب أعينهم الغرض الذي يريدون أن يحققوه من تربية أبنائهم وأن يبدأوا أمر تلك التربية منذ ساعة الميلاد، على أننا نجد الآباء في كثير من الأحيان لا يعملون لغاية معينة، ولا يربون الطفل لمقصد وضعوه مبدأ لهم، ولهذا يخرج الطفل إلى نور الدنيا فلا يكون ثمت مبدأ من مبادئ التربية يرفرف فوق مهاده، وترى الآباء ينظرون إلى القادم الجديد عجباً وحيرة، ولا يعتمدون في تربيته إلا على ما يلهمون به إلهاماً من الظروف والزمن والعادات، ويجعلون كل أولئك المرشد الأول في تربية هذا الفرد الطارئ على المجتمع.

ولهذا العجب الذي يأخذ الأب والأم إذ يخرج لهم طفل ثلاث ظواهر وحالات.

فأولاً: ترى الأب والأم ينظران إلى الطفل كأنه لعبة تبعث اللهو وطرفة تمدهما بالمرح والابتهاج، وكما أننا نرمي قطعة السكر إلى الدب كي نبتهج برؤيته وهو يلهو بها ويظهر عجائب خلقه، لا نفتأ نفسد الطفل حتى يظهر غرائب طبائعه، على أنه لا خير ثمت ولا أذى من العبث بالطفل في غير فحش أو بذاء، أو مفسدة، إذا نحن لم نكن بالطفل مستخفين، أو كنا عمي البصائر عن أثر هذا العبث بالوليد، ولكن ليس من اللهو ولا من الأدب ولا من الطهر والواجب في شيء إذا جعلنا الطفل فريسة لهذا الضرب من اللهو، ورضينا له العذاب والآلام في سبيل فرحنا وضحكاتنا.

وثانياً: ترى الأبوين ينظران إلى الطفل وكأنه موضوع الرحمة، وشيء خليق بالرثاء، ومخلوق يستحق الشفقة، لأن عجزه عن الحركة، وافتقاره إلى الحول والقوى، يثيران في قلوبنا الرحمة، وكثيراً ما تؤدي هذه العاطفة إلى ترك الطفل يفعل ما يشاء والسعي في التجاوز على كل ما يسيئه وإن كان فيه النفع له، ومهما كان للشفقة من الخير إذا قامت على أساس متين، وكان لها باعث راجح سديد، ومهما كنا نحترم هذه العاطفة والذي بعث عليها، فلا ريب في أن الطفل سيتألم، إذا لم يجد رقيباً عتيداً يرده، أو سلطاناًُ من ابويه ينهره، أو ضابطاً ينظم حركاته وسكناته، أما النتائج التي تنجم عن هذا التساهل والإشفاق