أظنك يا أخي لا تزال على ذكر من أن الرسالة الأولى من هذه الرسائل كتبت ونحن على متن البحر - قبل أن نصل إلى مرافئ الأندلس، أما هذه الرسالة الثانية فقد وضعناها بعد أن انفصلنا من مرفأ المرية وحططنا رحالنا في قرطبة حضرة هذه البلاد عاصمتها وقد خصصت هذه الرسالة بوصف كل ما مر بنا من حين اقترابنا من ميناء المرية إلى أن وصلنا إلى قرطبة.
أما المرية فهي إحدة مدن الأندلس الكبيرة واقعة في شرقيها، وهي على ساحل البحر الرومي البحر البيض المتوسط وهي مرسى للسفن القادمة إلى هذه البلاد الأندلس - وفي مينائها يربض الجانب الأكبر من أسطول الأندلس الأعظم والجانب الآخر يرسي في بجاية - وسيمر بك قريباً واف على هذين البلدين - المرية وبجاية ـ.
ولما صافح مركبنا أمواه المرية - وكان يسير بحذائنا مركب آخر علمنا أن فيه أبا علي القالي اللغوي وافد العراق وسائر من قاموا معنا من الإسكندرية في مركب أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر - آنسنا من جانب الميناء - ميناء المرية أسطولاً كبيراً قادماً علينا حتى إذا صار منا أدنى ذي ظلم أخذ يحيينا من فيه بالرايات والأعلام - وكان فيه الأمير عبد الرحمن بن رماحس قائد أساطيل الأندلس الأكبر - إذ أمره الحكم بن أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر وولي عهده أن يتلقانا في وفد من وجوه الأندلسيين ويجيء معنا إلى قرطبة تكرمة من الأمير لنا ولأبي علي القالي حفظه الله - فكان من رجال ذلك الوفد شاعر الأندلس يوسف بن هارون الرمادي وأبو بكر بن القوطية سيد علماء اللغة في الأندلس وابن رفاعة الألبيري أحد أدباء البيرة وفتى نشأ يتوقد ذكاء ويقطر أدباً وألمعية يسمى أبا بكر الزبيدي وكثير غير أولئك من علماء الأندلس وأعيانها وقوادها - وهذه عمرك الله آية محسة على عناية الأمير بالعلم وأهله - ولا بدع فقد وقفنا من ذلك على الشيء الكثير الذي سما بهذا الأمير في أعيننا. فمن ذلك فيما تحققناه أنه يبعث الحين بعد الحين في شراء الكتب إلى الأقطار، رجالاً من التجار، ويرسل إليهم الأموال لابتياعها، حتى جلب منها إلى الأندلس ما لم يعهدوه في ربوعها، وقد بعث في كتاب الأغاني لأبي فرج الصفهاني وأرسل