رمزية. فهذا الصنف من الحقيقة المؤيدة بالثقة يلائم المزاج الروحاني للإنسان أشد الملاءمة - أعني ما يلائ \ م احتياجه إلى نظرية تفسر له لغز الكون الذي بدهه ويواجهه في كل آن ولحظة، والذي ينشأ وينجم من شعوره بأن الشيء الطبيعي في الكون لا بد أن يكون خلقه شيء وراء طبيعي - شيء ثابت لا يتغير ولكنه أساس لهذا التغيير الدائم في الوجود. هذا الصنف من الحقيقة المؤيدة بالثقة يلائم أيضاً مخاوف وآمال الإنسان العاجز الضعيف الفاني الدائم الافتقار والاحتياج - فالدين يمده بالآلهة والشياطين التي يستنجد بها ويستصرخ ويأوي ويلجأ ويركن ويسكن ويبتهل ويتضرع وهي (أعني الحقيقة المؤيدة بالثقة) تلائم أيضاً شعوره الأخلاقي (شعوره بالفضيلة الرذيلة وبوجوب إتيان الأولى وترك الثانية) الذي لا شك في وجوده - وتعيره تأييداً وتوثيقاً لولاه لصعب عليه جداً مقاومة الأهواء والشهوات في معترك الحق والباطل.
فالدين من هذه الوجهة مصدر عزاء وسلوة لا ينفد في مرحلة هذه الحياة المملوءة هموماً ومصائب وأحزاناً - عزاء لا يخذل الإنسان ساعة الموت بل يعطي إذ ذاك أكرم فضائله وأنفس مزاياه ويؤثر أحسن أثره.
افلدين في ذلك أشبه شيء بالهادي الذي يأخذ بيد الأعمى فيرشده إذ كان لا يبصر سبيله بنفسه - وكل ما يحتاجه ذلك الأعمى هو بلوغه غاية منهجه لا أن يبصر كل ما يمر به في طريقه.
لهذه المحاورة بقية يبلغ مقدارها مثلي ما نشر منها في هذين العددين نرجو أن نوفق على نشرها كلها في العدد القادم.