للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار التاريخية]

الحكمة المشرقية

حكم فتاحوتب

إذا أوتيت العلم فكن متواضعاً وجادل الجاهل بالتي هي أحسن كما تجادل قرنك واعلم أن الإنسان جاهل مهما اتسع نطاق علمه لأنه ليس للذكاء حد وليس لفضل والفطنة نهاية وما ملك أحد ناصية الحكمة: وأعلم أن كلمة الحق لدى الحر أثمن من يتيمة الدر.

إذا جادلك حكيم عاقل وكان أرجح منك فضلاً وعلماً وأقوى حجة وأرسخ قدماً فاخفض له جناح الذل ولا تُعرض عنه إذا خالف رأيه رأيك واحذر أن تفوه بما يُحفظه وإياك أن تصدمه في حديثه فإذا استكبر وتواضعت رفعت نفسك في نظره واستللت بلينك من قلبه سخائم الكبر وربما سكن إليك وأحاطك بما لم تحط به خبراً. وإذا تجادل قرينك وألفيته لا يخرج في القول عن حده ولا يميل عن الحق إلى ضده فلا تغض عنه فإن الأغضاء يورث الأحقاد ويغرس بذور العداوات وإذا جادلت من هو أقل منك قدراً فلا تسخر منه ولا تحتقر شأنه لفقر فيه أو لضعف طرأ عليه ولا تلحف عليه بالسؤال فيما لا يعنيك حباً في استطلاع أمره وإذا أغضبك فلا تصبّ على رأسه جام سخطك فما ظلم الناس شر ممن هزأ بهم وما آلمهم شر ممن استكبر نفسه واستصغر نفوسهم وإن خدعتك نفسك وأغرتك بالشر فاعصها واغلبها على أمرها فإن هذه صفات الأبرار الصالحين.

وإن كنت يا أيها الولد زعيماً ترشد قوماً أو قائداً تقود شعباً فكن كريم الأخلاق حسن الشيم لا تشوب أدبك شائبة واعلم أن الصدق أعظم النعم وله حول وطول ولن يخذل صاحبه وما كان الباطل ليغلبه أن للباطل جولة لا تبقى أكثر من ساعة وأن للحق دولة تدوم إلى يوم الساعة واعلم أن الإذعان للحق فضيلة لا تنكر وأن الاعتداء عليه ذنب لا يغفر ولا يعتدي على الحق إلا ذو مطمع دنيء والطمع في الدنايا مضر بصاحبه في شرفه وماله فهو يقوده إلى الشر والشر مطية الدمار. أما من يذعن للحق ولا يتطلع إلا إلى ما يستطيع نيله بالحق فثوابه عند الله عظيم واغتباطه بنفسه أعظم لأن الحق ميزان الحياة وأساس العدل والعدل فضيلة كبرى كامنة في النفوس الخيرة يحث عليها الآباء الصالحون ويوصى بها الحكماء والنبيون.