للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تكن يا ولدي سبباً في إرهاب النفوس بغير حق وحذا أن تكون نذير السوء فما تحكمت نفس في أخرى بغير حق إلا ولقيت من الله شديد العقاب واعلم أن الرجال ثلاثة رجل يدفع بنفسه في تيار الآمال ويترك الحقيقة طوعاً ويتعلق بأهداب الخيال فيكون نصيبه الخزي وعقابه الحرمان ورجل يدعي لنفسه البطش والقوة ويحاول أن ينال بهما ما يريد فيسحقه الله بيد من حديد ورجل يعطي السائل ويغيث الملهوف ويولى المعروف ويواسي الحزين والضعيف فيمده الله بروح من عنده فكن يا ولدي كذلك الأخير رقيق القلب رحيماً بالمعوزين تكن محبوباً لدى الناس وعند الله من المقربين.

إذا دعاك عظيم فأجب دعوته وإذا أكرمك كريم فتقبل كرامته وإذا جلست إلى مضيفك فلا تطل النظر إلى وجهه ولا تبدأ بحديث قبل أن يفاتحك لأنك لا تدري أي الأشياء لديه أحب وأيها يستدعي لديه الغيظ والغضب: وإذا دارت رحى الحديث بينكما فلا يكن كلامك إلا جواباً على سؤال فإن في ذلك حفظاً لكرامتك وإرضاءً لمحدثك. إذا كن ضيفاً في دار فلا تحزن إذا كان نصيبك من خيرها قليلاً لأن رب الدار يكرم أضيافه حسبما توحي إليه نفسه. وكل أمريء في بيته سيد مالك فليس لك أن تجبهه أو تعترض عليه واعلم أن رزقك في يد الله ولن يهملك الذي خلقك.

إذا أوفدك عظيم إلى عظيم مثله فاقتد بمرسلك في خلقه فإياك أن تعكر الصفاء بينهما بالخطأ في تبليغ الرسالة فقد يؤدي تحريف الكلم إلى العداء وكم من كلمة بدلت فدمرت بلداً ولفظ غيّر فكان مجلبة الشقاء وإذا فتح لك أمير أو حقير خزائن قلبه وباح لك بما يصونه من غيرك فلا تفش حرفاً مما اؤتمنت عليه لأن إفشاء الأسرار منقصة تلحق بصاحبها المذلة. إذا زرعت زرعاً فقم عليه وكن حريصاً حتى ينبت وينمو ويثمر فيبارك الله لك فيه وإذا حرمت النسل فلا تحسد من رزقه بل اغتبط به إذا رأيت مسرته وإذا لم تلد لك زوجك فلا تشاكسها. فإنك لا تعلم هموم الآباء إذا لم تكن والداً فقد يكون أحدهم سعيداً بماله شقياً بنسله وليس نصيب المرأة من النسل بأقل شقوة من أنصبه الآباء فإن الأمهات أكثر النساء هماً وغماً وأدناهن من القبور لشدة ما ينال إحداهن من الحزن وما تلقاه من الآلام في العناية بولدها في نومه ويقظته في مرضه وصحته في حزنه ومسرته.

إذا كنت صغير القدر غير ذي شأن فالجأ إلى حكيم حازم والتصق به واجعل نفسك وقفاً