للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليك فيرفعك بحكمة من حضيضك إلى أوجه ويقوم من عوجك بمثلما قوَّم من عوج ذاته.

إذا رأيت رجلاً أصابه خطر حسن فنال منصباً سامياً لا يستحقه وكنت واقفاً على سره خبيراً بحقيقة حاله فلا تهزأ به لما تعلم من أمره بل كن كغيرك في إكرامه والحفاوة به وكفاه ما حاز من الفخر مبرراً لعيوبه فقد تحسن حاله بعلو مكانته واعلم أن الشرف والثراء لا يكونان لك عفواً صفواً وإنما للمرء من الخير قدر ما سعى. واعلم أن الله لم يشرع طرقاً أكثر من طرق الحلال لكسب الحال. لا تطع في الحياة إلا قلبك واعص نفسك في هواها ولا تجبها إلى سؤالها فيما لا يعلي قدرك. ولا تقض عمرك كله في تحصيل المال وكنزه فإن كنز المال وصرّه متعبة ولا خير فيما يتعب المرء في تحصيله ليزداد بوفرته نصباً.

إذا رزقك الله ولداً فلا تهمل تهذيبه بل اسهر على تربيته وإرشاده إلى سواء السبيل فإن أثمر عملك فقد نلت ثوابين الأول ثواب من عمر في الأرض وعمم الخير والثاني ثواب من زرع زرعاً وبارك الله له فيه وإن كان لك بنت فلا تفرط في شأنها وارعها بقلبك كما ترعاها بعينك وإلا كان عقابك كمن ولى ملكاً ولم يحسن سياسته. وإن عصاك ولدك وأطاع هواه وكان فظاً غليظاً متشدداً في الشر غير حسن الخلق فاضربه حتى تهذبه فإن العصا تقوم باعتدالها ما أعوج من أمره وحذره من عشرة قرناء السوء ممن لا يعنون بالفضائل فإنهم يقودونه إلى حيث لا تريد واعلم أن من يلقى مرشداً لن يضل.

إذا جلست في مجلس الدولة فاسترشد بمن كان أقدم منك عهداً فهو أعرف منك بقواعد الحكم ولا تستهن بالمواظبة فإن الانقطاع عن مقر منصبك والتراخي في عملك يضعفان ثقة الرئيس فيك وربما أدى ذلك إلى ضياع نصيبك من السلطة. كن على الدوام مستعداً للقول إذا كان المجال ذا سعة. ولا تهمل الجواب عن سؤال يوجه إليك وإذا شئت أن تبقى في المجلس ذا سلطة عالية وقول نافذ فاجعل لنفسك فيه شأناً بحيث لا يستغنى عنك واعرف مكانتك من أهله يعرفها غيرك واجلس حيث يؤخذ بيدك وتُبر. واعلم أن مجلس الدولة يسير على نظام معروف وكل ما يحدث به يدور على محور الدقة وإن علو الكعب فيه نعمة يحرص عليها العاقل ويسعى إليها الطامع في العلا.

إذا كنت في عشرة قوم فحبب نفسك ما استطعت إليهم وليكن قلبك وقفاً على مودتهم ما دمت ترى إخلاصهم لك وعطفهم عليك فيرتفع ذكرك بين الملأ وتتدفق عليك نعم الله وتلقى