للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فكاهات وملح]

أشعار المجانين

حدث أديب قال كان رجل من أهل الأدب قد ذهب عقله من جراء الحب فقلت له يا أبا فلان ما حالك وأين النعمة قال تغير قلبي بالحب فتغيرت النعمة وأنشأ يقول:

أرى التجمل شيأ لست أحسنه ... وكيف أخفي الهوى والدمع يعلنه

أم كيف صبر محب قلبه دنف ... الشوق ينحله والهجر يحزنه

وإنه حين لا وصل يساعفه ... يهوى السلو ولكن ليس يمكنه

وكيف ينسى الهوى من أنت فتنته ... وفتنة اللحظ من عينيك تفتنه

فقلت أحسنت والله فقال قف قليلا فوالله لأطرحن في أذنيك أدبا أثقل من الرصاص وأخف على الفؤاد من ريش النعام فوقفت وأنشد.

للحب نار على قلبي مضرجة ... لم تبلغ النار منها عشر معشار

الماء ينبع منها في محاجرنا ... ياللرجال لماء فاض من نار

ثم أنشد.

أعاد الصدود فأحيا العليل ... وأبدى الجفاء فصبرا جميلا

وأحسب نفسي على ما أرى ... ستلقى من الهجر غما طويلا

وأحسب قلبي على ما بدا ... سيذهب مني قليلا قليلا

وحدث أبو تمام قال كنت في غرفة لي على شاطئ دجلة في وقت الخريف فإذا بغلام كنت أعرفه بجمال قد تجرد من ثيابه وألقى نفسه في دجلة يسبح فيه وقد احمر جلده من برد الماء وإذا مانى الموسوس يرمقه ببصره فلما خرج من الماء قال:

خمش الماء جلده الرطب حتى ... خلته لابسا غلالة خمر

قلت له لعنك الله يا ماني أبعد الجهاد والغزو تحسن غلاما قد بات مؤاجرا في الحانات فقال لي ليس مثلك يخاطب يا أحمق وإنما يخاطب هذا - وأشار إلى السماء - وقال:

يكفيك تقليب القلوب وإنني ... لفي ترح مما ألاقي فما ذنبي

خلقت وجوها كالمصابيح فتنة ... وقلت اهجروها عز ذلك من خطب

فأما أبحت الصب ما قد خلقته ... وأما زجرت القلب عن لوعة الحب