للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[طرف فلسفية]

للفاضل عبد الرحمن شكري

أحلام اليقظة

(وهي أحلام خيالية فلسفية يشوبها شيء من المزح)

١

أسافل النفس وأعاليها

ذهبت مرة في المساء إلى شاطئ البحر لأروح عن نفسي من الهم الذي يعتور المرء من التفكير في أساليب الحياة وما يأتيه الناس من شر ثم اضطجعت على الأرض وجعلت أردد لحظي بين السماء والأرض فصغرت لدي حياة الناس من عظم ما بين السماء والبحر وبينما اسخر ضلة من طبيعة الإنسان وما تغري الناس به من غدر ولؤم ودناءة وكذب وقتل وخيانة وقع بصري على ملك من النور كله جمال في يده مرآة ثم رأيته قد اقترب مني ووضع المرآة أمامي ثم قال انظر في هذه المرآة فنظرت فرأيت جنياً ملأ ما بين السماء والأرض له رجلان مثل رجلي حيوان مفترس لهما كساء من الشعر وباق ملك كريم فنظرت إلى قدميه فرأيت أظفاراً مثل أنياب الفيلة ورأيت الدود والبق والعقارب فوق قدميه فأغمضت عيني من قبح ذلك المنظر ثم سمعت صوت الملك صاحب المرآة يقول أرفع بصرك وانظر إلى وجه هذا الجني فرفعت بصري ونظرت في وجهه فرأيت وجهاً ينبعث منه النور مله حنان ورفق وعينين لحظاتهما كلها ذكاء وجبيناً لو صور الحق لكان جبين هذا الجني جبينه ورأساً مكللاً بالأزهار ونظرت إلى صدره فرأيته نبيلاً جليلاً فخفق قلبي طرباً بجمال هذا المنظر وجلاله ثم نظرت إلى يديه فرأيتهما مثل يدي القرد فعجبت كيف يقرن ذلك الجمال الجم بذلك القبح الجم فقال الملك صاحب المرآة أن صورة هذا الجني تمثل النفس الإنسانية فإن هذا الجني رأسه في السماء ورجله في الأرض وكذلك النفس فإذا نظرت إلى النفس رأيت أعاليها كلها جلال وجمال وأسافلها مثل بئر كله حشرات وهذا الجني له يدان مثل يدي الحيوان وإنما هذا مثل العمل فإن الغريزة تحث المرء إلى العمل من خير وشر لأن العمل مقياس الحياة وميزان البقاء فإذا أردت أن تعيش عليل النفس سقيم