للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صفحة في الأدب]

حدث أبو سعيد الخدري قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إني أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها - قال - فقال رجل أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله - قال - فسكت عنه رسول الله ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح عنه الرحضاء وقال أين هذا السائل وكأنه حمده. فقال إنه لا يأتي الخير بالشر. وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا الويلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى المسكين واليتيم وابن السبيل (أو كما قال رسول الله) وإن من يأخذه بغير حقه فهو كالآكل كل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة.

قال الأزهري: في هذا الحديث مثلان ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا مع منع ما جمع من حقه: والمثل الآخر ضربه للمقتصد في جمع المال وبذله في حقه - فأما قوله صلى الله عليه وسلم وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا فهو مثل الحريص والمفرط في الجمع والمنع وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب التي تحلو ليها الماشية فتستكثر معها حتى تنفتخ بطونها وتهلك كذلك الذي يجمع الدنيا ويحرص عليها ويشح على ما جمع حتى يمنع ذا الحق حقه منها - وأما مثل المقتصد المحمود فقوله إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصراتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم وقعت - وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول التي تستكثر منها فتهلكه أكلاً ولكنه من الجبنة التي ترعاها بعد هيج العشب ويبسه - قال - وأكثر ما رأيت العرب يجعلون الخضر ما كان أخضر من الحلى الذي لم يصفر الماشية ترتفع منه شيئاً فشيئاً ولا تستكثر منه. فلا تحبط بطونها عنه - قال - وقد ذكره طرفة فبين أنه من نبات الصيف في قوله:

كبنات المخر يمأدن إذا ... أنبت الصيف عساليج الخضر

فالخضر من كلأ الصيف في القيظ وليس من أحرار بقول الربيع والنعم لا تسترسله ولا تحبط بطونها عنه - قال - وبنات مخر أيضاً وهي سحائب يأتين قبل الصيف: فضرب النبي آكلة الخضر مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يسرف في فمها والحرص عليها وأنه ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر إلا تراه قال فإنها إذا أصابت من الخضر استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت وإذا ثلطت حبطها وإنما تحبط الماشية إذا لم تثلط ولم