للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مصر]

منذ مائة وأربعة وخمسين عاماً

قطعة مجهولة من التاريخ

ظفرنا في هذه الأيام بكتاب غريب نادر الوجود، يربى عمره على المائة والعشرين عاماً، إذ كان طبعه عام ١٧٩٢ أي يوم جن جنون الثورة الفرنسية واحتدمت نارها، والكتاب مترجم إلى الإنكليزية عن الألمانية وهو غريب الأسلوب، قديم التراكيب، تخالف لهجته ونطق حروفه اللغة الإنكليزية الحديثة، ولعل ذلك لأن اللغة الإنكليزية قد تنقلت في أدوار عدة وتطورت أطواراً شتى، ومشت في قوانين الطبيعة التي تأبى إلا التجديد، وليس تقدم الكتاب في العمر، وتراخيه في السن، هو الذي استأثر بدهشتنا، وامتلك عجبنا، ولكنا كنا بموضوعه أشد دهشةً، وأكثر عجباً، وذلك أن الكتاب يدور حول سياحة غريبة خطيرة قامت بها بعثة علمية في عدة أنحاء من الشرق، فجاءت إلى مصر عام ١٧٦١ من الميلاد أي منذ ١٥٤ سنة. ثم واصلت المسير إلى جزيرة العرب حتى بلغت الهند، وتفصيل الخبر أن فريدريك الخامس، ملك الدانيمارك في ذلك العصر - وكان للدانيمارك في العصور الماضية شأن وأي شأن - أنفذ طائفة من العلماء المقربين إليه، والسائحين المشهورين في ذلك العهد، واختار لهم رجلاً من كبار أهل الرياضيات والعلوم الهندسية لمرافقتهم وإعانتهم على استكشاف تلك البلاد، ومسح أراضيها، وتعرف طبائع ترتبها وجوهاً، وعادات أهلها وهذا الرياضي هو العالم الألماني نيبور جاء به من ألمانيا لهذا الغرض خاصة، فبدأت الرحلة عام ١٧١٦ من كوبنهاجن. عاصمة الدانيمارك فانحدرت إلى مرسيليا، ثم عرجت على القسطنطينية فأقامت فيها أياماً واجتازت البحر الأبيض إلى الإسكندرية.

وقد آثرنا أن ننقل طرفاً من هذا الكتاب الغريب، وهو من قلم نيبور نفسه، ولعله كان على شيء كثير من الأدب والبحث ودقة الملاحظة والإستنساج، لأننا نشتم من مؤلفه روحاً أدبية خفيفة الظل، ولعل الذي أعانه على تفهم غرائب البلدان التي احتوته في سفرته. هو أنه قبل قيام البعثة، توفر على تعلم العربية وإتقان الكلام بها، واعرف ما في أمره أنه هو الفرد الوحيد الذي واصل الرحلة إلى بومباي في الهند، ولقى في سبيل ذلك الأهوال والمخاوف وعانى التهلكات والمخاطر لأن افراد البعثة جميعاً قضوا في الطريق، عندما اشتملت عليهم