للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخ أعضاء الجمعية التشريعية]

(تمهيد)

المجالس النيابية وتطورها

ـ ١ ـ

من الأغلاط المتداولة التي ورثها العصر الحاضر أن المدينة كلما تقدمت قضت على شخصية الأفراد وعبثت بحريتهم وجعلتهم آلات متحركة تخدم المجموع بالشكل الذي يريده المجموع من غير إرادة لأي فرد منهم في ذلك. وأساس هذا الخطأ راجع إلى ظهور المجاميع على أشكالها المختلفة ظهوراً واضحاً، وإلى شيوع مبدأ الجبر الذي يعد الحرية الفردية خيالاً لا حقيقة له، وإلى فكرة علم الاجتماع الجديدة الذاهبة إلى أن الصفة الأولى والظاهرة لكل أمر اجتماعي هي إكراه الجماعة من يخرج على هذا الأمر ليرجع إليه. والحقيقة التي تنتجها الملاحظة واستقراء الحوادث والرجوع إلى التاريخ هي أن المدينة يتقدمها إنما تعمل لإظهار شخصية الفرد ولتكميل حريته ولتوسيع دائرة العمل أمامه. وتعمل لذلك بوسائل كثرة كنشر التعليم وإكثار الصناعات وتحرير الطوائف الوضيعة من رق ملاك أرزاقها: وتسير في عملها على أسس ثابتة وإلى الأمام وكل أنصارها أمل بأنها ستصل من هذا الطريق لتعميم الحرية والإخاء على الأرض ولتقديم أكبر حظ ممكن من السعادة للإنسانية.

وإنما ساعد المدينة على هذه التقدم الذي وصلت إليه - وتؤمل أن تبلغ به غايتها العليا - اطمئنان الناس على حريتهم التي جاهدوا لنيلها طويلاً بعد أن تمكنوا من الانتصار الفكري على الاعتقادات التي كانت راسخة في الأذهان، والتي تولدت على الزمان بمقتضيات الحياة القديمة من وجوب الطاعة لصاحب السلطان، ثم بعد ان انتقل هذا الانتصار الفكري إلى الوجود العام ظهر في العمل فحرك الشعوب وأقام الأمم وبعث فيها جميعاً روج التشبث بالحرية والإخاء والعدالة، واعتبرت هاته الصفات حقوقاً يجب المطالبة بها ويجب الوصول إليها ونيلها ولو بالقوة. وفعلاً لم تكف حركة التنبه الأولى ليتنازل الملوك والمستبدون عن أطماعهم ويسلموا للأمم بحقوقها، بل استلزم الأمر حركات عنيفة وثورات طاحنة سالت فيها دماء وطارت رؤوس وارتكبت فظائع ومظالم حباً في العدل والإخاء