للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللذين بقيا دفينين تحت عسف الاستبداد وتحكمه. بعد ذلك كله توجت الحرية الفردية والسياسية القوانين، واطمأن الناس للحياة وللعمل فيها، وقامت في العالم هذه الحركة السلمية المدهشة بعظمتها التي نرى اليوم بأعيننا، وأيقن كل إنسان إن نقص الحرية مؤد لا محالة إلى نقص أهم أجزاء الحياة.

والمدهش في كل هذه الحركة نحو الحرية أنها لم تصل لتحد بالمعنى المضبوط الذي نفهمها به اليوم إلا بعد قرون طويلة من الجهاد لها. وكأنما كانت الحركة نحوها حركة فطرية تدفع إليها ظروف الوجود وتريد هذه الظروف أن تخلص بالناس من قيود الوهم الاستبدادي الذي كان أصل شقاتهم إلى الحرية لأنها مصدر سعادتهم الثابتة. وفي كل تطور من هاته التطورات كانت كلمة الحرية تأخذ معنى جديداً أمام أهل الزمان الذي حصل فيه هذا التطور.

وليس من الممكن أن نرجع في التاريخ لنصل إلى فكرة أول مجتمع إنساني في الحياة حتى نبدأ من هناك ملاحظاتنا على التغيرات التي طرأت على معنى الحرية وقيمتها ذلك بأن المجتمع الإنساني أقدم بآلاف السنين من التاريخ المعروف لنا. كما أنا لا نستطيع أن نصدق النظريات الخيالية التي وضعت في هذا الباب ونفترض ما يسميه جان جاك روسو بالحالة الطبيعية حال الإنسان المنفرد المستكمل كل الحرية بمعناها المادي. فإن ما نعرفه عن حال الإنسان لا يسمح لنا بتصور وجود لهذا الإنسان المنفرد. لذلك يكفينا أن نلاحظ ما كانت تعتبر به الحرية في الأمم المعروفة في التاريخ القديم والتطورات التي انتابت حكوماتها لنصل من ذلك إلى العصور الأخيرة وظهور وجود الرق.

فكان العبيد في كل أمة من أمم تلك الأيام جماعة غير معترف لهم بأي حق من حقوق الحياة الإنسانية.

بل كانوا في منزلة الأشياء الجائز التصرف فيها بكل أنواع التصرف إلى درجة استهلاكها. وبما أن هذا النظام كان عاماً قبلته الأذواق واطمأنت إليه النفوس وكان من مستلزمات مدنية ذلك العصر. وكان العبيد يملكون لأرباب العائلات الذين كانوا أصحاب الشأن والتصرف في كل شيء حتى في أفراد العائلة الذين لم يكونوا من طائفة العبيد. ولقد كان آباء العائلات حينئذ معتبرين ملوكاً لعائلتهم يتوارثون الملك ويقومون بحماية كل من كان