للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تاريخ الحرب]

الفصل الأول

إن النظام الاجتماعي الذي يكون فيه لأرباب الكفاءات الكبرى الكلمة العليا هو الذي يظهر أكبر الحيوية في هذا النزاع الداخلي الدائم. وأما النزاع الخارجي، أي الحرب، فلا تنتصر فيه إلا الأمة التي تضع في الميزان أكبر القوى الطبيعية والذهنية والأخلاقية والمادية والسياسية، وعلى ذلك تكون أحسن الأمم في الدفاع عن حوزتها والنضح عن سلامتها، والأمة التي تكون كذلك تنال من الحرب الظروف الطيبة المواتية للتوسع وامتداد السلطان ولا يكون من ذلك إلا تطور الإنسانية كلها، إذ لا يخفى أن تلك العوامل الذهنية والأخلاقية التي تتغلب في الحرب على غيرها تؤدي كذلك إلى ارتقاء المجتمع كله، وبدون الحرب لا يكون من الأمم والأجناس المنحطة الضعيفة الذابلة إلا أن توقف نماء العناصر الأخرى القوية المنتعشة المثمرة، وليس من وراء ذلك إلا الانحطاط العام في الجمعيات البشرية كلها، يقول فون سكليجل الحرب لازمة لزوم الحرب الواقعة بين عناصر الطبيعة.

الحق للقوة

نعم. قد تقولون قد يكون هناك منافسة سلمية بين الأمم كالمنافسة الواقعة بين أفراد الجمعية الواحدة في كل فروع الحياة الصحية - منافسة لا تستوجب دائماً نشوب الحرب، ولكن المنافسة بين الأمم لا تشبه التنازع الداخلي بين الأفراد ومن ثم لا تؤدي إلى النتائج نفسها، إن فوق منافسة الأفراد والطبقات في داخل الأمة ينهض القانون، وهو الذي يعني بمطاردة الظلم واستئصال شأفة الجور، وهو الذي ينشر العدل بين الربوع، ومن وراء القانون تقف الحكومة بقوتنها لتحمي الشعائر الأدبية والروحانية في جمعيتها ولنعمل كذلك على ترقيتها وتهذيبها. ولكن ليس هناك قوة عادلة غير متحيزة تنهض فوق منافسة الأمم لتمنع الحيف وتقتل الظلم، وتستخدم هذه المنافسة نفسها في ترقية الإنسانية والصعود بها ذروة الكمال الاجتماعي، وإنما الحائل الوحيد بين الأمم وبين الظلم هو القوة، وعلى كل أمة أن تنهض بنفسها وتأخذ مكانها من الفضيلة والمدنية وتعمل على ترقية مذاهبها ومبادئها وأغراضها فإذا حدث من ذلك أن اصطدمت هذه المبادئ وهذه المذاهب بمبادئ الأمم الأخرى ومذاهبها فعليها إما أن تخضع وتعترف بأسبقية الأمة المزاحمة وإما أن تعمد إلى القوة فتواجه بها