كان جذيمة الأبرش من أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغاراً، وأشدهم نكاية، وأظهرهم حزماً. وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب وغزا بالجيوش - وكان به برص فكنت العرب عنه وهابت العرب أن تسميه به وتنسبه إليه إعظاماً له فقالوا جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش - وكانت منازلة فيما بين الحبرة والأنبار وبقة وهيت وناحيتها وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير والقطقطانة وخفية وما والاها - وتجبي إليه الأموال وتفد إليه الوفود. وكان غزا طسما وجدياً في منازلهم من جو وما حولهم - وكانت طسم وجديس يتكلمون بالعربية فأصاب حسان بن تبع أسعد أبي كرب قد أغار على طسم وجديس باليمامة فانكفأ جذيمة راجعاً بمن معه - وكان قد اتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان: قالوا - ومكان الضيزنين بالحيرة معروف - وكان يستشقى بهما ويستنصر بهما على العدو وكانت إياد بعين أباغ وأباغ رجل من العماليق نزل بتلك العين فكان يغازيهم فذكر لجذيمة غلام من لخم في أخواله من إياد يقال له عدي بن نضر له جمال وظرف فعزاهم جذيمة فبعثت إياد قوماً فسقوا سدنة الصنمين الخمر وسرقوا الصنمين فأصبحا في إياد، فبعثت إلى جذيمة أن صنميك أصبحا فينا زهداً فيك ورغبة فينا فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك، قال وعدي بن نصر تدفعونه إلى، فدفعوه إليه مع الصنمين فانصرف عنهم وضم عدياً إلى نفسه وولاه شرابه فأبصرته رقاش بنة مالك أخت جذيمة فعشقته وراسلته وقالت يا عدي أخطبني إلى الملك فإن لك حسباً وموضعاً فقال لا اجترئ على كلامه في ذلك ولا أطمع في أن يزوجنيك، قالت إذا جلس على شرابه وحضره ندماؤه فاسقه صرفاً واسق القوم مزاجاً فإذا أخذت الخمرة منه فاخطبني إليه فإنه لن يردك ولن يمتنع عليك فإذا زوجك فأشهد القوم، ففعل الفتى ما أمرته به، فلما أخذت المرة مأخذها خطبها إليه فأملكه إياها فانصرف إليها فأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجاً بالخلوق. فقال له جذيمة - وأنكر ما رأى به - ما هذه الآثار يا عدي، قال آثار العرس، قال أي عرس، قال عرس رقاش، قال من زوجكها ويحك، قال زوجنيها الملك، فضرب جذيمة بيده على جبهته وأكب على الأرض ندامة وتلهفاً، وخرج عدي على وجهه هارباً فلم ير له أثر ولنم يسمع له بذكر. وأرسل إليها جذيمة قال: