للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون

فقالت لا بل أنت زوجتي أمراً عربياً معروفاً حسيباً ولم تستأمرني في نفسي ولم أكن مالكة لأمرئ فكف عنها وعرف عذرها، ورجع عدي بن نصر إلى إياد فكان فيهم، فخرج ذات يوم مع فتية متصيدين فرمي به فتى منهم من لهب فيما بين جبلين فتنكس فمات، واشتملت رقاش على حمل فولدت غلاماً فسمته عمراً ورشحته حتى إذا ترعرع عطرته وألبسته وحلته وأزارته خاله جذيمة فلما رآه أعجب به وألقيت عليه منه مقة ومحبة فكان يختلف مع ولده ويكون معهم، فخرج جذيمة متبدياً بأهله وولده في سنة خصبة مكلئة فضربت له أبنية في روضة ذات زهر وغدر وخرج ولده وعمرو مغهم يجتنون الكمأة فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها وإذا أصابها عمرو خبأها في حجرته فانصرفوا إلى جذيمة يتعادون وعمرو يقول:

هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه

فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر فجعل له حلى من فضة وطوق فكان أول عربي ألبس طوقاً فكان يسمى عمرو ذا الطوق فبينما هو جالس على أحسن حاله إذ استطارته الجن فاستهوته فضرب له جذيمة في البلدان والآفاق زماناً لا يقدر عليه - قالوا - وأقبل رجلان أخوان يقال لهما مالك وعقيل من الشام يريدان جذيمة قد أهديا له طرفاً وأمتعة، فلما كانا ببعض الطريق نزلاً منزلاً ومعهما قينة لهما يقال لها أم عمرو فقدمت إليهما طعاماً فبيناهما يأكلان إذ أقبل فتى عريان شاحب قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت حاله فجاء حتى جلس ناحية منهما فمد يده يريد الطعام فناولته القينة كراعاً فأكلها ثم مد يده إليها فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلاً، ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها وأوكت زقها فقال عمرو بن عدي:

صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا

وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا

فقال مالك وعقيل من أنت يا فتى فقال:

أن تنكراني أو تنكرا نسبي ... فإني أنا عمرو بن عدي

ابن تنوخية اللخمي ... وغدا ما ترياني في نمارة غير معصى