للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[البولشفية]

عثرنا بهذا الموضوع في إحدى المجلات الفرنسية فرأينا أن تحف به قراء البيان.

قال مسيو تيير وهو من أكبر رجال السياسة في فرسنا في القرن المنصرم (احذروا الدب الروسي) وقد خيل إليه ماذا يكون من أثر شعب من مائة وسبعين مليون نفس، وشعب شاب فتي قدير على أن ينتظم تحت سلطن شديد، وقانون صلب متين، في مستقبل العالم بأسره، وماذا سيحدثه في سير الدنيا ونظامها، وماذا يمكن أن يغير من معالمها، أو ينقص من أطرافها، ولكن قد تغيرت الحال اليوم فلم نعد نرى في الروسيا صورة المحارب الشاب الفتي الطموح إلى الغزو والفتوح، بل لقد نهضت اليوم أمام أعيننا صورة شبح مخيف مارد ملوث الفم بالدماء يخطر في ميدان عظيم من الذبح والسفك، والهدم والتخريب، كلما افترس اشتدت به الشهوة للافتراس، وازداد قرمه لأكل لحوم الناس، وكذلك في القرن العشرين أبى العالم الإنساني المتحضر، وهو الذي كان يطارد الآفات والأوبئة، إلا أن يتبع الروسيا ويمشي في آثارها وراء ذلك الوباء العظيم الذي طاح بالعالم كله، ونعني به. . . البولشفية.

على أن وصفنا هذه الحمى الخبيثة التي ظهرت في الدنيا حديثاً بكلمة (الوباء) لا يعد وصفاً كافياً لتصوير ما كان من هذه النهضة التي حلت جميع الروابط الأهلية، وفصمت عرى الروابط الاجتماعية وأحدثت في الروسيا من الشنائع ما لم يسجل التاريخ قبل اليوم ضريباً له، أو ما يمثاله، ولكنا نريد أن نجمل، وصف أثر التخريب الذي أحدثته البولشفية في روسيا، ولكي يزن القراء ما كان منها، يجمل بنا أن نلقي نظرة على ما كانت عليه الروسيا قبل نشوب الحرب الكبرى.

قبل الثورة

إن إمبراطورية القياصرة التي تبلغ مساحتها خمسة ملايين وأربعمائة وخمسة وثمانين ألف كيلومتر مربع، كانت تملك خير مصادر الثراء من زراعة وصناعة ومناجم، ولئن كانت السكك الحديدية فيها غير كافية، فلقد كانت تملك أهم وسائل الملاحة البحرية في أوروبا كلها وكانت الزراعة - وهي أهم الصناعات الأهلية فيها تخرج نحواً من أربعة وسبعين مليون طن من الحبوب المختلفة، وكانت صناعة السكر في خير حال، وكانت المصانع تبلغ نحواً من ٣٩٨٨٧ مصنعاً يشتغل فيها من الصناع عدد يربو على مليونين ونصف،