للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العزوبة والزواج]

للفيلسوف باكون

من كان ذا زوج ورب عيال فقد وضع عند الدهر رهوناً، لأنهم حوائل تحول دون الأعمال الخطيرة، وعقبات تأخذ على المرء طريقه إلى الأفعال الجسيمات، شراً كانت أم خيراً.

إن خير الأعمال وأنفعها للشعب وأصلحها للجماعة هي حسنات العزاب ونتاج الأعقام الصادرة عن حب الشعب وخدمته وكان أولى بأولئك المذاكير أن يفكروا فى المستقبل القادم ويتزودوا للزمان المقبل، ويعلموا أنهم يرهنون لديه أفلاذ أكبادهم ويضعون في ذمته أعز الرهون.

وإن من الأعزاب من لا يفكر إلا في عيشه ولا يهتم إلا بنفسه ويعد القصد إلى الأيام المتهادية وقاحة وطيشاً.

بل إن من الناس من لا يعد الزوجة والعيال إلا سفاتج ووثائق، بل هناك أغنياء أنهام مجانين يفخرون بأن ليس لهم أطفال كي يظن الناس عنهم أنهم أوفر مالاً وأجم قدحاً وأوفى سجلاً، ولعلهم سمعوا إنساناً في الحي يقول فلان موسر كبير فرد عليه آخر نعم ولكنه رب عيال. كأنما أصبحت الخلفة انتقاصاً للغنى وحطة في الثراء.

والحرية أحسن ما في المعيشة العزب والحياة الوحيدة لاسيما عند المفاريح ذوى الألباب النزاعة إلى الفكاهة الجانحة إلى اللهو الذين يتبرمون بأقل شيء حتى ليكادون يحسبون أن مناطقهم وأربطة سوقهم سلاسل وقيود.

والعزاب خير من يسلم إليهم ود، وصفوة من يرعون العهد، والعزاب خيرة الأسياد، وخير الموالى والخدام، على أنهم ليسوا أبداً فى الرعية لمخلصين، لأنهم خفاف في الهرب، سراع في الفرار، والفارون من طوائل القانون، الناشزون عن بلدهم النازحون، أكبر ما يكونون عزاباً لا زوج ولا طفل ولا لهم عند الزمان رهون.

والعزوبة أليق ما تكون بقواعد الكنائس وأهل الأديرة، فإن الصدقات لا تروى أرضاً ينبغي أن تتفجر من الإحسان عيوناً.

والزواج والعزوبة للقضاة وأهل الحكومة بين الناس سواء، فإنهم إن يصبحوا أغراراً يسلس قيادهم، ويغلب على أمرهم، ويغمز بالمال جانبهم، ليجدون لهم خادماً أسوأ من