للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محاورة]

بين فقيه متدين وفيلسوف ملحد

للفيلسوف الألماني الأكبر آرثر شوينهور

(تابع ما نشر في العدد الأول من هذه السنة)

الفقيه - ولكنك لن تؤنس ذلك! هذا وأن الأديان ليست بخديعة ولكنها حقيقة وأهم الحقائق. ولكن فرط سموها هو الذي يبعدها عن منال أذهان العامة ووهج ضيلئها، هو الذي يعشى العين الاعتيادية فلا تراها ومن ثم كان وجوب خفائها تحت ستار الرمز والكتابة حتى أصبح الدين يعلم الناس ماليس بحقيقة في حد ذاته ولكنه حقيقة باعتبار ما يكمن وراءه من المعاني. فإذا نظرت إلى الدين من هذه الوجهة رأيته حقاً.

الفيلسوف - قد يجوز لك لو كان يحكم للدين بأنه حق من الوجهة الكنائية ليس إلى ولكن أنصار الدين يدعون أنه حق بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهنا موضع الغش والتدليس. ومن هذا الوجه يجب على ناصر الحق أن يقاوم الدين ويحاربه.

الفقيه - ولكن هذا الخداع شرط أساسي لا بد منه وذلك أن الدين إذا صرح بأن عنصر الحق فيه مقصور على ما تتضمنه عقائده من المعنى الرمزي الكنائي لزالت عنه قوة نفوذه وسلطانه وزال بزوالها جميل أثره في مشاعر الناس وعواطفهم وحسب تهذيبه لطباعهم وأخلاقهم. فبدلاً من تناول الذين بهذا الانتقاد المر والاعتراض الشديد ينبغي أن تنظر إلى فوائده العملية الجليلة من حيث تهذيب النفوس وترقيق المشاعر وتسكين العواطف باعتباره هادياً إلى سبيل الرشاد. ودليلاً على طرق الصلاح والسداد، وملاذاً وملجأً وعمادً وعصمة للإنسانية المنكوبة المحروبة المتوجعة المتفجعة في الحياة والممات. ولا مشاحة في أنه يجب عليك أن تحاذر إيقاظ الريب والشكوك في صدور الجماهير بإثارة المجادلات النظرية فتسلبهم بذلك أحسن مصدر للعزاء والسلوان وأغزر منبع للأمن والسلام، والتوكل والاستسلام، مما هم في أمس الحاجة إليه - بل أحوج إليه منا نحن المتعلمين - لتخفيف وطأة النحس. وتهوين فدحة البؤس، وتنفيس غمة الكرب وتفريج أزمة الخطب. ولهذا السبب وحده لا يصح الطعن على الدين.

الفيلسوف - إن حجتك هذه لواهنة واهية وبمثلها كان يمكن خذلان البطل لوثر ورده