للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالهزيمة حين شن حربه العوان على الكاثوليكية وصب غارته الشعواء على فعلتها القبيحة المنكرة أعني بيعها عفو الله وغفرانه بالذهب والفضة في سوق الكذبة والخديعة. أفلا ترى أن أوراق العفو وصكوك الغفران التي كان قسوس الكاثوليكية يزورونها على الله في ذلك الزمان كانت تمد العدد العديد من البشر بأمتن أسباب العزاء والسلوان وأحسن وسائل الأمن والسلام في سكرة الموت وغمرة الاحتضار حتى كان الرجل يفارق الدنيا قرير العين مثلوج الفؤاد مملوءاً ثقة واعتقاد بصحة ما يحمل في يده من تلك الأوراق المزورة وهو على سرير الموت مقتنعاً بأنه يحمل منها عدة ترخيصات وجوازات بدخول الجنان والتمتع بصفوة خيراتها ونخبة لذائذها. أي فائدة وثمرة في تقديم أسباب العزاء والسلام إذا كان لا يزال مشهوراً فوقها سيف الغش والخديعة؟ الحق يا سيدي - الحق وحده - هو القوي المتين الوفي الأمين. والحق أبلج والباطل لجلج. والحق هو العزاء المادي الوحيد الراسخ الأساس الصلب الدعائم الذي لا تزعزعه الحوادث والكوارث - هو الجوهر الفرد والمفرد العلم والحي الباقي.

الفقيه - أجل ما أصح قولك هذا لو كنت تحمل الحق في جيبك وتضم عليه أصابعك تمن علينا وتنعم كلما سألناك منه حفنة أو قبضة ولكن ما لديك هو مذاهب فلسفية لا مادية. (أي عما وراء المادة) ليس فيها شيء محقق سوى وجع الرأس. والقنوط من الحقيقة واليأس. وقد كان أجدر بك أن تعلم أن على أطلال ما هدم ويشيده على أنقاض ما قوض.

الفيلسوف - يسؤوني أن أراك متمسكاً بهذا القول، ألا تعلم أن تحرير المرء من أغلال أكذوبة ليس معناه أنك سلبته شيئاً بل أنك وهبته شيئاً. لأن عرفانك عن شيء أنه باطل إنما هو حقيقة من الحقائق. هذا وإنك لن تجد أكذوبة أية كانت إلا ولها شر وفيها أذى. وليس من أكذوبة إلا ستلحق الضرر باتباعها عاجلاً أو آجلاً. فعليك إذن أن تكف عن خديعة الناس وتقر أنك جاهل بما لا تعرف وتترك الحرية لكل امرئ يختار من المبادئ والعقائد ما يشاء وتشاء أمياله ونزعاته ويكون آراءه وأفكاره لنفسه. ولعل هذه الأفكار والآراء لن تكون في النهاية كما تتوهم أنت من السخافة ولرداءة إذ كان في طول احتكاكها واصطكاكها ما هو كفيل بتهذيبها وتنقيحها وتصفيتها من خبث الضلال وتنقيتها من شوائب الكذب والبهتان. وعلى كل حال فإن اختلاف المذاهب والآراء يقيم بين الناس التسامح والتساهل