للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب الإنجليز وآداب الألمان]

إن الحرب قاسية منكرة، ولكن أقسى منها أن يكون كل من الفريقين المتقاتلين المتصارعين يحمل في أعماق قلبه احتراماً خفياً صامتاً لعدوه، وكل منهما يريد أن يخنق صاحبه ويكتم أنفاسه ويهدم منزله ويرسله مدرجاً في أكفان الهزيمة إلى المقبرة، ولكنه ولا ريب واقف ساعتذاك على قبره خاشعاً لجلاله متهيباً، يصلي من أجل عدوة القوي الذي صارعه وناهضه، ويحوطه بكل مظاهر الشرف والإعجاب والاحترام وهذه الحرب هي حرب الغريزة، حرب الزنجي الشجاع للزنجي المقدام المغوار، حرب السبع للسبع، والنمر للنمر، كل منهما يجالد الآخر ليقتله، ولكنه يمجد في عدوه قوته، لأن القوة تحترم القوة التي مثلها، لأنها تخشى أن لا تحترم نفسها، والكفوء لا يحتقر الكفوء وإن كان يحقد عليه أو ينفس، والحقد غير الاحتقار، لأن الاحتقار ينحدر من ذروة الرجل الأشم العظيم إلى وهدة المخلوق الضعيف الهزيل، والحقد هو أكبر مظهر من مظاهر الإعجاب بالقوة والتمجيد لشأنها، وهو من أكبر فضائل الغريزة، وهو من أسمى منعشات الصحة ومقوياتها، لأنه يرسل الحرارة في نواحي الروح وأجزاء النفس ويبعث النشاط إلى الجسم ويزيد في خفقات القلب ويشد الساعد ويحرك اليد ويلهب الذهن، ولهذا يقول نيتشه: أحبوا أعداءكم وخير منه أن تكرهوا أصدقاءكم.

وخلاصة هذا أن الانكليزي يحمل في قلبه الاحترام للألماني وأن الألماني لا يستطيع إلا احترام الانلكيزي، وإن كان هذا الضرب من الاحترام قاسياً مخيفاً مرعباً، وكل منهما ولا ريب يحترم في عدوه قوته، وإن كان يريد أن يصرعها ويزهق روحها ونحن الضعفاء المهازيل لا يسعنا إلا الاحترام للجميع، نحن نقف على مشهد من القتال الناشب بينهما المستحر صارخين كما يفعل الأطفال والولدان عند رؤية الشجار العنيف معولين، مهيبين بالمتقاتلين متوسلين، نصيح بهما أن يكفا عن القتال المستميت، ونضرع إليهما أن يزجرا هذا الصراع الدموي الرهيب، لأننا نخشى ان يميت أحدهما الآخر، لأننا نريدهما جميعاً. لأننا لا نريد أن يفقد العالم قوتهما أو قوة أحدهما. لأن حياة الإنسانية ومدنية العالم تطلبهما معاً، إذ كنا نعيش في كل ألوان العيش من عقل الانكليزي ودأب الألماني، نحن في البيت وفي الشارع وفي القهوة وفي المنتدى وفي القاطرة وفي العجلة وفي الملهى نتنعم بمبتكرات الانكليز ومنشآت الألمان، نحن نمرض ونجرح ونصاب فنشفى ونعافى ونصح بعقول ارلخ