للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جمعية المواساة الإسلامية]

ومبرات الإسكندريين

من المشاهدات الطبيعية في الكثير الغالب أن سكان السواحل وأهل المدائن الواقعة على ضفاف البحار أنقى قلوباً وأرق نفوساً وأقرب إلى الخير من البلدان الداخلة في صميم المملكة ولعل ذلك لأن أمواج البحر تغسل عن أفئدتهم عيوبها، وتطهر وجدانهم مما يعرض لها من نقائص الأرض ومعايب الطبيعة البشرية الضعيفة، وعلى هذه القاعدة كان أهل الإسكندرية عظماء النفوس، يستمدون عظمتهم من عظمة البحر الضخم الكبير الذي يلعب عند مربض مدينتهم، وهم أشد حمية وأكبر نهضة. وأكثر براً وأنبل إحساساً من جميع سكان القطر، ولا نعلم كيف يقع القاهريون في الميزان إذا هم وزنوا بأهل الإسكندرية، وأين تكون مبراتنا وجمعياتنا ونوادينا بالقياس إلا مثلها عندهم، وهم لا يألون جهدهم في تهذيب مدينتهم ورفع شأنها، وإصلاح أمرها. ونحن أكسل ما نكون إذا دعينا إلى الخير. أو سؤلنا البر. وقد اقتنعنا من مفاخر المدن بأننا الحاضرة. واكتفينا بأننا العاصمة. وسرنا أننا التخت كأن البلاد الأخرى التي وراءنا فقط في تعداد السكان دكك بالنسبة إلى تختنا المطرب الشجي. وكأننا لم ننسى أننا عجزنا على أن نقيم نادياً واحداً لموظفينا. ونمده بما يطيل عمره. ويثبت قدميه. فلم يلبث شبه النادي الذي ألبسناه - على غير التقوى - أن وأدناه وشيعناه إلى المقبرة التي قبرنا فيها كثيراً من أعمالنا الخيرية ومبراتنا وجمعياتنا. إذ بيعت مقاعده وأثاثه في المزاد. على مرأى المشتركين والأعضاء. على حين لا يني النادي الإسكندري المزهر الكبير يعدو مسرعاً في التوسع والنماء والرسوخ والرقي. حتى أصبح ندوة علمية. وجمعية خيرية. ومدرسة عالية. ومجتمع خير وأدب وصلاح في آنٍ واحد وذلك لأن إخواننا الإسكندريين أشد منا تمسكاً وتلازماً ووحدة، وأندى منا يداً وكفاً، وأرق منا أفئدةً وأرواحاً.

وهذه جمعية المؤاساة الإسلامية، لا تكاد نرى لها أختاً في بلدنا، ولا نشهد لها شقيقة في أي بلد آخر من بلاد القطر، كأن جمعية واحدة لمواساة المساكين اللذين تقطعت بهم أسباب الحياة في مصر، تكفي لأن تطل من ساحل البحر الأبيض على مسكين في الحدود الأخرى من القطر، مع أننا بحاجة إلى جمعيات كثيرة للمواساة، لأننا شعب نصفه من المساكين