للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جبريل داننزيو]

مثير إيطاليا إلى الحرب مع الحلفاء

من أكبر العوامل التي بعثت إيطاليا على الخروج من شملة السلم وارتداء لباس الحرب - بعد أن لبثت أشهر لا تدري ماذا يراد بها ولا ماذا تريد - قول شاعر، والشعراء لا يزالون يحفظون عظمة الماضي في هذا العصر العملي الغريب، يثيرون الشعب بالقصيد ويوقدون سعير الحرب بالقصيد، لأنهم سادة القلوب، وسلاطين العواطف، والعواطف البشرية نزاعة وثابة خوارة، وإذا كان ذلك هكذا فليس إذن من الغرابة أن يكون السنيور جبريل داننزيو، شاعر الطليان في هذا العصر، هو الذي دفع الجنود إلى البنود، وأقام إيطاليا وأقعدها، وأرسل نبض المملكة في أشد خفقانه وضربانه، وذلك لأنه مولع بفرنسا ومدنيتها ورقتها، ومن أكبر المدافعين المتحمسين للمدنية اللاتينية، إذ قال بعد أن ظفر بتحريك إيطاليا إلى الحرب. . لقد دق ناقوس الحرب. . . وصيحات الجماهير تصيح في فضاء السموات الحلوة الجميلة. . إني الآن أكاد أجن من الفرح. إن معجزة النهضة اللاتينية ستعاد. الآن سيشهد العالم معجزة إيطالية.

والشاعر داننزيو اليوم في الثانية والخمسين، وقد ولد في بصقرة في شمال إيطاليا، وهو ابن دوقة، وربيب النعمة والترف والرقة والأبهة، وقضى عهد طفوليته يمرح في الحقول يمرح في الحقول والمراعي والمزارع والأمكنة العراء، ولعل هذا هو الذي أحدث شاعريته، فلما كان في السادسة عشر دفع إلى الجامعة في ولاية تسكانيا، ولم تمض سنة حتى نشر ديوان أشعاره الأولى، وسماه الشعر الجديد، وكان يحتوي عدة مترجمات من الأدب اللاتيني القديم. وكان أسلوبه فيها على الرغم من حداثة سنه طيباً رائقاً، حتى أن أحد كبار كتاب ذلك العهد نشر عنه مقالاً مستفيضاً في الصحف.

وذهب داننزيو بعد ذلك إلى رومة وبدأ ينشر قصائده ورواياته وكان أسلوبه الخفيف الروح، والعاطفة الشهوية الحيوانية المتجلية في شعره قد بدآ يدهشان نقادي الشاعر ومقرظيه، وقد أعرض عنه أولئك الذين قد التفوا حوله بادئ بدء واستمعوا لأغنياته، ذاهبين إلى أن شعره يحمل أكبر مفسدة لآداب العصر، ولكن الشهويين أخذوا يمجدونه ويحيونه ويصفقون له ويحيون فيه الشاعر الجديد الذي جاء يرسل روحاً جديدة في الآداب.