للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محاورة]

بين فقيه متدين وفيلسوف ملحد

للفيلسوف الألماني الأكبر آرثر شوبنهور

(تابع ما نشر في العدد ٢ سنة ثامنة)

الفقيه - إذا كنت بدلاً من تنبئك الزوال المسيحية فرحاً بذلك مسروراً تتأمل أعظم أفضالها وآلائها وآلاء وأفضال الديانة التي نبعت بعد عهد غير طويل من عين المنبع الذي فاض بالمسيحية - أعني الشرق - أقول ذا تأملت جليل منن هذين الدينين على العالم الأوروبي لكان ذلك أولى بك وأجدر. أجل لقد استفادت أوروبا من المسيحية معنى ما برح مجهولاً لديها - أعني هذه الحقيقة الجوهرية وهي أن الحياة الدنيا لا يمكن أن تكون في ذاتها غاية ونهاية ولكنها سبب نتيجته فيما يليه ووسيلة غايتها فيما وراءها. ولقد وجدنا اليونان والرومان حصروا غاية الحياة في ذاتها فحق لنا أن ندعوهم وثنية ضالة عمياء ثم كان من نتيجة عقيدتهم هذه ان أصبحت كل فضائلهم تنحصر فيما هو مفيد للمجتمع - أعني في النافع وقد قال ارسطاليسأن أحسن الفضائل أنفعها للغير ومن ثم رأينا الأقدمين يفضلون حب الأوطان على سائر الفضائل مع أنه صفة مشكوك في فضلها إذ كان مبنياً على ضيق النظر والمحاباة وفساد الحكم والزهو والافتخار الباطل والغرور والأنانية. وقد ذكر ارسطاليس الفضائل الإنسانية مرتبة حسب قيمها وأقدارها وها هي: العدالة والبسالة والاعتدال والأبهة والمروءة والسخاء والحفاوة والاقتصاد والعقل فما أبعد الفرق بين الفضائل وبين الفضائل المسيحية. بل أن أفلاطون ذاته وهو أشد الفلاسفة القدماء روحانية لا يرى فضيلة فوق العدالة - فهو وحده الذي يوصي بها ويحث عليها ويأمر الناس بحبها لذاتها بينما سائر الفلاسفة يذهبون إلى أن العيش الهنيء هو الغرض الأوحد للفضائل - وإلى أن الواسطة إلى نيل هذه الغاية هو التمسك بمكارم الأخلاق. فلما ظهرت المسيحية أنقذت العالم الأوروبي من استغراقها جهالة وخطأ في حياة فارغة فانية غير مأمونة. فالمسيحية لا تقتصر على تعلم العدالة ولكنها تعلم أيضاً حب الغير والرحمة والعفو وحب الأعداء والصبر والتواضع والزهد والإيمان والأمل. بل لقد ذهبت المسيحية وراء ذلك فدلت على أن الحياة الدنيا شر وضير وأن الإنسان في حاجة إلى النجاة والخلاص فحضت