للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على احتقار الدنيا وعلى الورع والتقشف وعلى العفاف والتقوى وعلى إنكار الذات وعصيان النفس إذ كانت بالسوء أمارة وما يقتضي ذلك من الصد والإعراض عن الحياة الدنيا وزخرفها الباطل وزبرجها الكاذب وغرور لذاتها الفانية ثم دلت فوق ذلك كله على فضلى الفضائل وكبرى المحامد أعني مكرمة الارتياح إلى مكابدة الآلام واحتمال المصائب حتى جعلت الصليب (آلة العذاب) رمزاً على النصرانية. لا أنكر أن هذا المذهب في الحياة - وهو بلا جدال أصح المذاهب - قد ظهر قبل عهد المسيحية بالآف السنين في الأقطار الآسيوية على أشكال أخرى وبلا اتصال بالمسيحية كما لا يزال في تلك الأقطار حتى الساعة. ولكن أوروبا لم تتلقه إلا بفضل ظهور المسيحية في بلدانها. إذ من المعلوم أن سكان أوروبا وإن لم يكونوا سوى قبائل أسيوية نزحت في الأصل عن أوطانها بآسيا فلبثت أزماناً جوالة بالآفاق حتى انتهت أخيراً إلى القارة الأوروبية فخيمت بها واستوطنت بقاعها - غير أن هذه القبائل لم تلبث أثناء تجولاتها الطويلة أن نسيت ديانة أوطانها الأصلية فنسيت معها أيضاً المذهب الصحيح في الحياة الدنيا. ثم استحدثت في أوطانها الجديدة (أوروبا) أديانا أخرى أحط منزلة من الأولى وأخبث جوهراً وأقل تهذيباً - كعبادة أو دين (في اسكاندينيفيا) وما إليها من البقاع الشمالية الأوروبية) والأديان الدرودية واليونانية وهذه لا تحتوي من المذاهب والعقائد إلا ما هو حقير سطحي ضئيل بالقياس إلى الديانات الآسيوية القديمة أو إلى الدين المسيحي.

وفي هذه الأثناء تولد في أمة اليونان ذوي خاص غريزي عن عنصر الجمال في الكون والخليقة وبصر ثاقب بمواطن الجمال وأسراره فكان من نتيجة ذلك أن خرافاتهم الدينية أخذت على السنة شعرائهم وعلى أنامل مصوريهم ونحاتيهم أشكالاً بديعة عجيبة. وصوراً أنيقة غريبة. لا يدانيها في الحسن مدان. ولا ترام غايتها من الإحسان والإتقان. ولكنا من جهة أخرى نرى أن المذهب الصحيح في الحياة الدنيا والغرض الأشرف الأسمى من الوجود والغاية القصوى كان مما قد غاب عن أذهان أولئك اليونان ودق عن إفهامهم. وكذلك شأن الرومان في هذا الصدد. فعاش أولئك وهؤلاء أعمارهم كأنهم أطفال كبار حتى ظهرت المسيحية فلفتت أنظارهم إلى الناحية الخطيرة من الحياة والجانب الجليل.

الفيلسوف - أجل. وإذا أردنا أن نعرف ما كان من نتيجة ذلك فما علينا إلا المقارنة بين