للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نابليون في منفاه]

كلمة للشاعر الكبير اللورد بيرون عن نابليون في منفاه مذيلة بنبذة فلسفية في مطامع الملوك والغزاة والفاتحين وأصحاب الثورات الفكرية والانقلابات الدينية - وخواطر في موضوع الوجدانات والعواطف - وهذه الكلمة مختارة من قصة دون جوان.

لقد هوى أعظم الناس - ولا أكذب إن قلت - وأصغرهم - ذلك الذي جمع الضدين، وضم النقيضين، فبينا يحاول من الأمور أجلها، إذا هو يزاول أضألها وأقلها غلو في جميع شأنه وإغراق! ولو توسطت أيها الجبار لبقي لك سلطانك أو لعلك لم تكن لتناله البتة ولا كنت ارتقيت إلى عرش ولبقيت إلى عرش ولبقيت كأصلك في غمار الناس مغموراً. وفي زوايا الخمول والغموض مستوراً. فإن غلوك في الجرأة وتطرفك في الطموح هو الذي سما بك ورفعك. وهو أيضاً الذي هوى بك وخفضك.

ومن عجب أنك لا تزال حتى الساعة تحاول استرداد سلطانك فتتبوأ أريكة العالم ثم تزلزل أركانه وتزعزع بنيانه وتصفق فوقه بأجنحتك الهائلة المخوفة وتصم آذانه بزماجرك العاتية العنيفة كأنك في سمائه المكفهرة إله البرق والرعد.

مالك الأرض أنت وأسيرها. وفاتح الدنيا وسجينها، واراها لا تزال ترتعد وتنتفض لمجرد ذكرك. وإن اسمك المخوف قد أصبح الآن أبشع ما كان إذا أصبحت لا شيء - اللهم إلا سخرة الصيت الشائع، وهزأة الذكر الذائع. وأضحوكة الحظ الذي سجد لك حيناً طوع إشارة بنانك، عبد دولة سلطانك. حتى عددت نفسك إلهاً مرهوباً ورباً مخشياً مهيباً. وكذلك عدك العالم ورأتك دول الأرض المبهوتة الحيرى المقهورة الحسرى.

أيها الرجل الذي فوق الإنسان أو دونه - آنا تعفر خدود القياصرة بين قدميك، وترغم مغاطس الأكاسرة تحت نعليك. وتجعل جباه الجبابرة مداساً. غطرسة وبأساً. وآونة تروح كأصغر جنودك. وأحقر عبيدك. مقهوراً حسيراً مغلوباً أسيراً. ليبت شعري وأنت اللاعب بالدول والممالك. العابث بالعروش والأرائك تهدم الدول ثم تبنيها، وتنشر الممالك وتطويها كيف أعياك أن تقمع أضعف شهواتك، وتقدع أدنى رغباتك ونزعاتك. ليت شعري وأنت النافذ النظرات الثاقب اللمحات المستجلي غوامض السرائر المستشف كوامن الضمائر المحدث بما في القلوب. المستطلع ما وراء الغيوب، كيف حيل بينك وبين النظر في أعماق صدرك واكتناه حقيقة أمرك وقدرك. كيف غاب عنك أن الأقدار مهما سعدت فإنها الخائنة