للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مقالات في الأدب]

وضع الأستاذ ابراهيم عبد القادر المازني أحد أساطين البيان سلسلة مقالات في النقد الأدبي ضمنها أبحاثاً جديدة مبتكرة وآراء سديدة لم يكد يسبق إليها في كيف يكتب الكاتب ويقرض الشعر الشاعر ويبين المبين وما هو سر الفصاحة وأساس البلاغة وروح البيان وما هو الأسلوب والتخيل والنظر وما إلى ذلك مما سيكشف النقاب عن حقائق من هذا الباب طال احتجابها على كثير من الناس وكل ذلك قد أفرغه أديبنا المبدع.

في نظام من البلاغة ما شكّ امرؤ أنه نظام فريد

حزن مستعمل الكلام اختياراً ... وتجنبن ظلمة التعقيد

وركبن اللفظ القريب فأدركن به غاية المراد البعيد

وسننشر هذه المقالات تباعاً في أعداد البيان وهاك قطعة من فصل كالتمهيد إلى ما بعده قال الأستاذ أيده الله:

فصل في أن امتياز العبارة بالتأثير

ليس لكاتب على كاتب فضل إلا بسهولة مدخل كلامه على النفس وسرعة استيلائه على هواها، ونيله الحظ الأوفر من ميلها، وإنما يلائم الكاتب بين أطراف كلامه ويساوق بين أغراضه، ويبني بعضها على بعض، ويجعل هذا بسبب من ذاك لتكون عبارته أفعل باللب، وأملك للسمع والقلب وأبلغ في التأثير، والكاتب في ذلك كصانع الديباج، يوشيه بمختلف التصاوير ومتناسبها ليكون أملأ للعين، وأوقع في النفس وأعلق بالقلب، وليست المزية كما يتوهم من لا يتدبرون الكلام في أن هذا أكثر تأنقاً من ذلك، وأحسن تحبيراً، بل المزية في أن أحدهما أقدر على إبلاغ المعنى لذهن القارئ.

على أنك قد تبلغ بالعبارة العارية العاطلة ما لا تبلغه بالكلام المفوف، بل قد يكون التأنق إذا أسرف فيه الكاتب أو جهل مواضعه، وأخطأ مواقعه، حائلاً بينه وبين ما يريد من نفس القارئ ألا ترى كيف جنى أبو تمام على نفسه بحبه لتطريز الكلام، ومبالغته في تدبيجه، وإسرافه في استعمال الخشن النافر من الألفاظ، وإكثاره من الاستعارات والتكلف لها اغتراراً بما سبق من مثل ذلك في كلام القدماء، حتى كثر في شعره الرث الفاسد والغامض الذي ينبو عنه الفهم، وحتى صار أصبر الناس لا يقوى على إتمام قصيدة من شعره من