للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة سعد زغلول باشا]

الرجل البرلماني الكبير

ـ ٤ ـ

كلمة في الوزارة - أهمية انتقال المترجم به إلى وزارة المعارف - الأسباب التي دعت إلى ذلك - الحالة التي كانت عليها المعارف قبل تعيينه.

ننقل الآن من ترجمة القاضي إلى حياة الوزير، ونترك منصة القضاء إلى مسند الوزارة، وليس في أعمال الجمعية البشرية عمل هو أخط من عملها، وليس بعد الصحافة كما يقول اللورد روز بري من وظيفة هي أشق ولا أكبر مكاناً منها، وما كان في أبهة هذا المنصب وعظمته وضخم أعطيته ما يغني عن متاعبه ومشاقه وأخطاره، وأنت لا ترى الوزارة تجعل من الرجل عظيماً، ولا تخلق منه نابغة، بل هي تحبوه ليس غير بالعطاء الكبير واللقب العظيم والمركب السني، وهو الذي يعلو بالوزارة ويهبط وينحرف بدقتها ويستقيم إذ كانت الوزارات مقاييس حرارة لرجالها، وموازين دقيقة لكفاءات أربابها، هي التي تربك مقدار الجزء الإنساني من الوزير، ونشعرك بمبلغ الشعور الأهلي في الحكومي، وتفهمك مقدار علمه بالنفسية الأمية، والوجدانات القومية، إذ كان حقاً على الوزير أن يكون عليماً بسيكولوجية الشعب وشعوره، ومطالبه، ومراميه، وطبائعه ومزاجه، وهل كان جراي ودلكاسيه وأشباههما إلا من أكبر علماء النفس، وأعظم الملمين بروح الاجتماع وأسراره، ذلك لأن الوجدانات الأهلية أشبه بالوجدانات الطفولية، سريعة التحول، متناقضة المبادئ ضعيفة الاستنتاج، قابلة للتأثير خوارة أمام الشخصية الحكومية الكبيرة، ولذلك كان من الوزير الكبير أن يحتال لعوارضها ويتحصن من تقلباتها، ويعمل على مصانعتها وإظهار شخصيته عليها، ولذلك كانت الوزارات قصيرة الأعمار سريعة السقوط، مستمرة التجديد، إذ على قدر معرفة الوزارة بنفسية شعبها والعمل على مطاوعة هذه النفسية وموافاتها يكون عمر الوزارة من القصر أو الطول ومكانها من الاحترام في التاريخ.

وبعد فقد كان انتقال صاحب الترجمة من محكمة الاستئناف إلى وزارة المعارف من أكبر العوامل في حياته فقد أخذت شخصيته القوية من ساحة القضاء لتعرض في ساحة الأمة، ولم تعد تلك الفضائل الإنسانية العظيمة التي تنطوي عليها روحه تبدو فقط للمجرمين