للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر القوانين الطبيعية]

في نظام الجماعة وأخلاق الفرد

إذا بحثنا في أمر العوامل الطبيعية أيها أشد تأثير في نظام الجماعة وأخلاق الفرد وجدنا أن هذه هي الجو والغذاء والتربة والمناظر الطبيعية. ولنبدأ بالثلاثة الأول ثم نتكلم بعد ذلك عن الرابع فنقول.

أما الجو والطعام والتربة فبعضها مرتب على بعض أي أن هنالك سبباً قريباً وصلة متينة بين جو إقليم وبين غذاءه النابت به كما أن ذلك الغذاء يتأثر بالتربة التي تنبته وبارتفاع الأرض أو بانخفاضها وبحالة الهواء. وقصاري القول بجميع تلك الأحوال التي يطلق على مجموعها لفظة الجغرافية الطبيعية.

وإذ كانت الصلة بين هذه العوامل الثلاثة الطبيعية على ما ذكرنا من القرب والمتانة - فهي تعمل معاً وتؤثر مشتركات_كان الأجمل بنا أن لا ننظر فيها على انفراد بل ننظر إلى النتائج الناشئة من عملها المشترك وبذلك يكون نظرنا في هذا الموضوع أسمى وأشمل باجتنابنا الإشكال واللبس الناشئ من تفريقنا بين أشياء هي بطبيعتها مجتمعة لا تنفصل. وبذلك يزداد لنا وضوحاً وبياناً مبلغ ما كان للقوى الكونية والعوامل الطبيعية في أقدم العصور من الأثر العظيم في حياة الإنسان.

فمن أهم وأقدم النتائج التي يحدثها الجو اجتماع الثروة والطعام والتربة في أمة من الأمم فإن اجتماع الثروة وإن كان بطبيعة الحال يتبع رقي العلوم ولكنه من الثابت الذي لا شك فيه أنه (اجتماع الثروة) في مبدأ تكوين الأمم يكون سابقاً لنشأة العلوم. وما دام كل فرد من أفراد الشعب مشغولاً بتحصيل المواد اللازمة لقوامه واستمراره فلن يوجد فراغ ولا ميل للمطالب السامية من الفنون والمعارف. فمثل هذه الظروف غير خليقة أن تحدث علماً أو تنتج فناً. بل كل ما يسطاع إذ ذاك هو محاولة اقتصاد العمل بفضل تلك الآلات الخشنة الناقصة التي لن يعدم القدرة على اختراعها أشد الأمم همجية وأكثرهم توحشاً.

في مثل هذه الحالة الاجتماعية يكون جمع الثروة أول خطوة لأنه لا يكون الفراغ بلا ثروة ولا يكون العلم بلا فراغ. ثم ما دام مقدار المستهلك من الزاد في أمة من الأمم مساوياً لمقدار ما يملكونه فلا يكون هنالك ذخيرة وعلى هذا لا يكون للأمة رأس مال وإذ كان ذلك