للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أفكار بليدة]

لمفكر بليد في أوقات بليدة

الإنقباض

إني أستطيع أن أتلذذ من الحزن. وأجد الإبتهاج في التعب والشقاء، ولكني لا أرى أحداً يحب أن تصيبه نوبة الإنقباض، ومع هذا تأبى هي إلا أ، تصيبهم وتدنو منهم، ولا يستطيع أحد منهم أن يعرف سبباً لها أو تفسيراً، فأنت قد تصيبك النوبة في اليوم التالي لليوم لذى رزقت فيه الثروة الكبرى والغنى العريض، كما قد تنتابك في اليوم الذي تفقد فيه مظلتك في القطار، وترى تأثيرها على مزاجك أشد من التأثير الذي تشعر به عندما تصاب بوجع الأضراس وعسر الهضم ورطوبة الرأس في آنٍ واحد، إذ تصير قلقاً أحمق متهيجاً خشناً مع الأضياف والغرباء. خطراً على الأصحاب والأًصدقاء مشاغباً مشاجراً ثقيلاً على نفسك، وثقيلاً على كل من حولك.

وأنت في هذه الحال لا تستطيع أن تفعل شيئاً ما وتفكر في شيءٍ وأن كنت مضطراً إلى أن تقوم بعملك. ثم أنت لا تستطيع أن تجلس هادئاً، لذلك تضع قبعتك فوق رأسك تهم بأن تتنزه ولكنك لا تكاد تشرف على رأس الشارع، حتى تود لو أنك لم تخرج وإذ ذاك ترجع أدراجك إلى البيت. فتفتح كتاباً تحاول أن تقرأ، ولكنك تجد شكسبير مبتذلاً سوقياً. وترى ديكنز بليداً ثرثاراً. وتكري ثقيلاً، وكارليل متصنعاً متكلفاً. فلا تلبث أن ترمي الكتاب بعيداً وتأخذ في شتيمة المؤلفين. ولمن الكتاب، ثم تطرد الفظه من الحجرة وتغلق الباب في أثرها وعند ذلك يخطر لك أن تجلس لكتابة خطاباتك ولكنك لا تكاد تنتهي من هذه اليباجة. . . عزيزي فلان. . . . من بعد مزيد من السلام والسؤال عن صحتكم التي هي غاية المراد من رب العباد. . .، حتى تمضي نصف ساعة ولم تزد عليها حرفاً واحداً، فتقذف بالخطاب في الدرج وتطرح الريشة الممتلئة بالمداد فوق غطاء المائدة، وتنهض بعزيمة جديدة وهي الذهاب لزيارة آل فلان. . . . ولكنك وأنت تدخل قفازتيك في يديك يخطر في ذهنك أن آل فلان هؤلاء مغفلون ثقلاء، وأن لا عشاء عندهم وأنك ستضطر إلى مناغاة طفلهم الصغير وملاعبته فتلعن آل فلان هؤلاء وتنوي المكث والبقاء.

وعند هذا الحد تحس أنك قد انهزمت، فتدفن وجهك في راحتيك. وتظن أنك تود لو مت