للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الطلاق]

تمهيد

أحب شيء إلى الإنسان حريته والمثل الأعلى للحياة أن يكون الإنسان مطلق السراح لا يصده عن أغراضه صاد. ولو تقطعت الأوصال الاجتماعية وعاش كل إنسان في عزلة لتمتع الناس بنصيب وافر من الحرية لا يعوقهم شيء غير العقبات الطبيعية وما يعتو نفوسهم وجسومهم من النقص والفساد، ولو كان الزواج لا يهم غير الزوجين لترك كل إنسان وشأنه في الطلاق، متى أحب امرأة وأحبته تزوجا، ومتى دَبّ بينهما الشقاق أو مال قلب كل منهما عن الآخر أو انتفت بينهما عاطفة الحب افترقا ولكان الاقتران الحر خير كفيل لسعادة النوع الإنساني.

الحب عماد العائلة والأساس الذي يجب أنا يبني عليه كل زواج، وعلى قدر حرارته وفتوره يكون نصيب الزوجين من السعادة والشقاء، غير أنه يشيخ مع الزمن ثم يلحقه الموت فيفنى، ومهما اشتد كلف الزوجين فسيتلاشى حبهما طال الزمن أو قصر، ويحسن بهما حينذاك أن يفترقا ليبحث كل منهما عن عشيق يسكن إليه.

قد لا تتفق أخلاق الزوجين ويشجر بينهما الخلاف وتصبح الحياة سلسلة نزاع يفوت معها غرض الزواج، وما أشد تعرضنا لهذا الخطر لما في الخطبة عندنا من المقامرة بالمستقبل والمقامر على حافة الإفلاس إن لم يدركه حسن الحظ هوى به سوى البخت إلى حضيض الشقاء، ودين القمار لا يلزم المدين كذلك زواج القمار لا يرتبط به الزوج الذي لو أراد ألقى حبل زوجته على غاربها، فالطلاق والحال هذه خير دواء لفوضى الزواج ومتى كان الزواج فوضى فأخلق بالطلاق أن يكون فوضى.

هذا هو ملخص ما يقول حماة الطلاق تأييداً ولكنه قول بعيد عن الصحة، ومنشأ الخطأ عدم الاعتداد بالتاريخ في تعليل الأمور والاعتقاد بأن القوانين صنع الروية والعقل، والحقيقة أن الضرورات والطقوس والعادات والأوهام والخرافات هي الموجدات للقانون بفعل الأجيال فيها وتأثيرها عليها وصياغتها إياها في قالب كيماوي. فيجب إذن على من يحب الوقوف على حقية قانون أن يرجع إلى نشأة هذا القانون ويعرف تاريخه فإن وجد العناصر المكونة له باقية على حاله لم تتغير حكم بأنه صالح وإن رأى أنها اندرست حكم بأنه ضار يجب