للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العدول عنه إلى قانون آخر يتفق والعادات الحديثة.

وإذا رجعنا إلى العصور القديمة نجد أن الزواج كان ضرباً من ضروب الرق إذ كان الرجال لا يتزوجون إلا من النساء اللاتي كانوا يسبونهن من القبائل الأخرى أو من اللائي كانوا يشترونهن، وما زال لكل من هاتين الطريقتين في الزواج أثر بيننا وأن كان هذا الأثر ضعيفاً، ففي بعض القرى إذا خرجت عروس لقرية أخرى ففي الغالب يحدث شجار بين القريتين كأن أهل الزوج يحاولون سبي المرأة فيدافع عنها أهلوها، وما حفلة الزفاف في بعض القرى ولدى البدو وما فيها من ضرب على الطبول وسباق خيل كراً وفراً ولعب بالحطب وطلقات البارود وإحاطة العروس برجال أشداء إلا تمثيل للحفلة التي يدخل بها المنتصر دياره بالغنائم والأسرى، والمهر الذي يدفعه الزوج لزوجته أثر لشراء النساء ليكن زوجات. والمهر في عرف الفقهاء ثمن لبضع المرأة، وكما ينعقد الزواج بالإيجاب والقبول ينعقد أيضاً بلفظ البيع والشراء.

ولما كان الزواج مرتبطاً بالطلاق ارتباطاً متيناً وقد أبنَّا أن الزواج كان نوعاً من الرق فمن المعقول أن ينفرد الرجل بالطلاق دون المرأة كما انفرد السيد بالعتق دون العبد والطلاق كالعتق تسريح للمرأة وتمليكها حريتها أما الآن فقد تغيرت الحال وأصبح مركز المرأة الاجتماعي أحسن نوعاً وفقد الزواج صبغة الرق والاستعباد وصار عقداً لا يتم إلا بالإيجاب والقبول كبقية العقود الأخرى، وإتباعاً لهذا التطور لا يستحسن بقاء الطلاق على حاله وإرخاء العنان لشهوات الرجل كلما عاف امرأته نبذها كما ينبذ نعله القديم بل يجب أن يكون بحال تتفق وأخلاقنا وعاداتنا الحاضرة.

على أن ذبول الحب وحده غير كاف لتبرير الطلاق فإن طول المعاشرة وإن يطفئ من شعلة الوجد إلا أنه ينشئ بين الزوجين جملة عواطف لا تقل قوة وصلابة في شد أزر العائلة، إذ بعض مضي زمن من الزواج بألف الزوجان بعضهما البعض ويعتاد كل منهما معاشرة الآخر وتندمج مصالحهما في مصلحة واحدة فيتعاونان في المشورة والعمل ويأتمن كل منهما الآخر على سره ويخلصان النصيحة وجملة القول يتحول الوجد إلى عاطفة أخرى لذيذة، عاطفة الصداقة والصحبة، وما أعز على النفس من فراق صديق حميم فما بالك إذا كان هذا الصديق ربة بيتك وشريكتك في أطفالك.